للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فالآية واضحة، بأنه عند إرادة الشيء يقول له كن فيكون.

والفاء في قوله: (كُنْ فَيَكُونُ) تدل على الترتيب والتعقيب، إذا فالأمر بالكون سابق للكون، لكنه مقارن يعني: متصل به (كُنْ فَيَكُونُ) .

فإن ادعوا أن المراد: يقول في الأزل: كن. فالجواب أن هذا خلاف الظاهر؛ لأن (كُنْ فَيَكُونُ) تدل على أن هذه عقب هذه، وهذا يستلزم أن يكون قوله حادثا عند وجود ما أراده عز وجل.

مسألة:

قال الأشاعرة: إن القرآن جاء به جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا جعلتموه صفة من صفات الله فكيف تنفك الصفة عن الموصوف؟ والجواب على هذا يسير؛ فأنا عندما أقول لشخص ما: بلغ فلانا بكذا وكذا، فالكلام كلامي أنا، وأما هذا فهو مبلغ فقط، فالكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئا، لا إلى من قاله مبلغاً.

وهذا الكلام - أصلا - هو كلام الله، لكن تكلم جبريل به هذا مخلوق، إما المتكلم به فهو كلام الله، فعندما أقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة: ٢) (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة: ٣) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة: ٤) فصوتي هذا مخلوق، لكن ما أصوت به هو صفة الله غير مخلوق

ولهذا وصف الله القرآن بأنه قول محمد صلى الله عليه وسلم وقول جبريل، ولا يمكن أن يكون قولا من قائلين؛ فقال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (التكوير: ١٩) (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (التكوير: ٢٠) ، والمراد بالرسول هنا جبريل، وقال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة: ٤٠) (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ)