ثانياً: فإذا صح كان المعنى أن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لكان تعذيبه إياهم في غير ظلم، أي لكان تعذيبه إياهم بسبب منهم وهو المعصية.
ثالثاً: لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، وذلك بأن يقابل إحسانه بإحسانهم، فإنه إذا قابل إحسانه بإحسانهم صار إحسانهم ليس بشيء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((لن يدخل أحد الجنة بعمله)(١) أي من باب المقابلة، لأن الله لو حاسبنا على وجه المناقشة لكان فعلنا للخيرات دَيناً علينا، لأنه هو الذي منَّ علينا بذلك، وحينئذٍ لو عذبنا في هذه الحال أو من هذا الوجه لعذبنا وهو غير ظالم، هذا إذا صح الحديث، وعلى ذلك فلا يكون في هذا إشكال.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
فلم يجب عليه فعل الأصلح ... ولا الصلاح ويح من لم يفلح
يعني بذلك أنه لا يجب على الله أن يفعل الأصلح، ولا يجيب عليه أن يفعل الصلاح.
وهنا خمسة أقسام: الأصلح، والصلاح، والأسوأ، والسيئ، وما لا صلاح فيه ولا سوء، فالأصلح أعلى من الصلاح، والأسوأ أدنى من السيئ، وما لا صلاح فيه ولا سوء فهو مستوي الطرفين.
ولله عز وجل أن يفعل ما شاء، كما قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)(الحج: الآية ١٨) ، لكن ما كان من مقتضى حكمته وكماله فلابد أن يكون، وما خالف مقتضى الحكمة والكمال فإنه مستحيل، فمثلاً تعذيب المطيع هذا مستحيل؛ لأن مقتضى الحكمة أن يثاب المحسن على إحسانه، لأنه لو عذب
(١) رواه مسلم، كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ... ، بدون رقم.