فالجواب على هذا الإشكال أن نقول: إن خلق إبليس لا شك أنه شر، لكن وجود شر يصارع بخير هذا أصلح، لأن الناس لو كانوا على طريقة واحدة وليس هناك ما يضلهم لم يتبين الصادق من غير الصادق؛ لأنه ليس هناك سبيل إلى أن يكون الإنسان فاجراً.
فلو لم يوجد إبليس ولا نفس أمارة بالسوء ما كان هناك طريق يمكن أن يسلكه الإنسان فيكون فاجراً حتى يعرف حسن نيته من سوء نيته، فالحكمة إذاً أن يخلق إبليس، بل والأصلح أن يخلق إبليس؛ لأنه لا يمكن امتحان العبد ومعرفة كونه عبداً خالصاً لله أو عابداً لهواه إلا بوجود إبليس والشر والنفس الإمارة بالسوء، إذاً هذا ليس صلاحاً في نفسه ولا أصلح في نفسه ولكن لغيره.
وكذلك الجدب - وهو متعلق بالكون - فإنه ولا شك فساد للناس، وتعطل مصالح، وهلاك مواش، وربما هلاك أنفس أيضاً، والله عز وجل يقدر الجدب. فإذا قال قائل: كيف يستقيم هذا مع قولنا: إن الله لا يفعل إلا الأصلح أو الصلاح؟
ويجاب على ذلك بأن هذا سيئ من وجه وصالح من وجه، فالجدب مثلاً سيئ، لكن الله يقدره لأمر أعظم وأنفع للعباد من الخصب، فالله تعالى يقول:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)((الروم: ٤١)) فهذا صلاح لغيره، والله بين الحكمة منه فقال (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .