وهناك في بعض النسخ (وليس واجب) برفع واجب، والظاهر أن الأولى النصب، على أنه يجوز الوجهان، فإن أردت أن تخبر عن الواجب، فالواجب مرفوع والرضا منصوب، على أنه خبر ليس، يعني: وليس الواجب الرضا بكل مقضي، وإن كنت تريد أن تخبر عن الرضا، فانك تقول: فليس واجبا على العبد الرضا، فواجب منصوب على أنه خبر ليس، يعني: وليس الواجب الرضا بكل مقضي، وإن كنت تريد أن تخبر عن الرضا، فإنك تقول: فليس واجباً على العبد الرضا، فـ (واجب) منصوب على أنه خبر ليس واسمها الرضا، وتقدير الكلام على هذا: وليس الرضا واجباً، فالوجهان جائزان.
ومعنى كلام المؤلف أنه لا يجب على الإنسان أن يرضى بكل مقضي، وإنما يجب أن يرضى بالقضاء الذي هو فعل الله عز وجل، وعلى ذلك فالمقضي يحتاج إلى تفصيل:
أولاً: أن يكون المقضي حكماً شرعياً، فهذا يجب الرضا به، من حيث كونه فعل الله، والسخط منه مناف للإسلام، فيجب علينا مثلاً أن نرضى بفرض الله للصلاة والزكاة والصوم والحج والبر والصلة وغير ذلك، ويجب علينا كذلك أن نرضى بتحريم الزنا؛ لأن ذلك محبوب إلى الله عز وجل، والمحبوب إلى الله يجب أن نحبه.
أما باعتبار فعل العبد فيجب الرضى به إن كان طاعة، ويجب سخطه إن كان معصية، ولهذا وجب علينا أن ننكر على العاصي.
ثانياً: إذا كان المقضي أمراً كونياً، فإن الأمر الكوني منه ملائم يلائم النفوس، وهذا الرضا به أمر فطري.
مثال ذلك: إذا قضى الله للإنسان بولد، ورزق واسع، ودار مهيأة، ومركوب فخم، وعلم، وإيمان، فإنه يرضى به لأن ذلك يلائم نفسه، ورضاه بذلك أمر فطري، ولا يحتاج أن نقول: يجب أن ترضى به؛ لأنه سيرضى به.