وفي هذه الأيام استمر النيل متماسكا عن الزيادة والناس يسببه في أمر مريج بل نقص فيها عدة أصابع وعظم البلاء وعم جميع الخلائق بحيث انك لا ترى إلا باكيا أو مبتهلا من رئيس ووضيع واشترك الناس في هذه النازلة وعدم الخبز من الدكاكين وصار لا يؤخذ إلا من الأفران مع جهد بل لا يتمكن من ذلك إلا بالليل ورسل المحتسب تحمي الأفران من النهب وارتفع القمح إلى سبعمائة وعز وجوده بالسواحل ولم يتمكن أحد من شرائه إلا بجهد ممن له وجاهة وشوكة في الدولة وأما الضعيف الفقير فلا يصل إلى شرائه البتة وسببه أن المماليك السلطانية صاروا يأخذون الغلال من المراكب باليد حتى أن منهم من كان لا يزن لها ثمنا بل كان إذا استولى عليها أخذها بما فيها وتوجه إلى حال سبيله فكف أصحاب الغلال عن البيع خوفا من هؤلاء الظلمة فمعظم البلاء بهذه الفعلة أكثر وأكثر حتى أرسل السلطان مرجانا العادلي نائب مقدم المماليك من ركوبها للتقدم بملاقاة الغلال فكفوا حينئذ قليلا ثم رسم السلطان لازبك الساقي وجانبك الوالي انهما يتوجها إلى ساحل بولاق ويجلسا بباب شونة الزيني الاستادار ويبيعا ما فيها بسعر ستمائة الإردب وذلك يرضي الزيني بذلك لكونه خاف من نهب المماليك إياها ففعلا ذلك وداما أياما كذلك فكن بعض الناس من الشراء وتعذر على آخرين.