وصار الزرزاوي إمام وقته ووحيد دهره في المنقول والمعقول مع الصلابة في الدين والورع المتين انتهت إليه رئاسة العلم بالقاهرة في زمانه وكان قد طلب الحدي في ابتداء أمره وسمع الكثير وترجمته مستوفاة في المنهل الصافي لاقتصاره على التراجم وكان رحمه الله لازما لطريق السلف في التقشف وعدم التردد للناس وصحب الشيخ مدينة في آخر عمره فزاد تقشفه وورعه وكان قد رحل إلى مكة واليمن في شبيبة وتولى عدة تداريس بالديار المصرة وتصدى للاشتغال سنين.
كان ناصر الدين بك في أول أمره من جملة أمراء حلب لما كان الوالد نائبها ثم ترقى حتى صار نائب الابلستين على عادة آبائه وأجداده فلما وليها طغى وتجبر وخرج عن طاعة ملوك مصر إلى أن أباده الاشرف وحصل له محن من كثرة من تجرد إليه من قبله ولم تزل العداوة بينهما حتى توفي في سنة ثلاث أربعين فلس خلعته وأكرمه السلطان غاية الإكرام وتزوج بابنته التي كان الاتابك جانبك الصوفي تزوجها لما كان هاربا عنده ثم عاد إلى بلاده بعد أن أنعم عليه بأشياء كثيرة واستمر بابلستين حتى مات وأراح الله المسلمين منه فقد كان ظالما جبارا مسرفا على نفسه وكان كثير الشر والفتن ووقعت في أيامه حروب كثيرة بتلك البلاد عامله الله بما يستحقه.
وكان محمد بن حسن الشيخ الحنفي في ابتدائه يقري المماليك بأطباق القلعة ثم فتح له حانوتا يبيع فيه الكتب ثم ترك ذلك كله وانقطع عن الناس بالكلية وعرف بالخير والديانة وصارت الأكابر تتردد إليه وكانت بينه وبين الوالد صحبة في حل الاتابكية وصحب بعده جماعة وتأكدت صحبته بطرر وكان له فيه اعتقاد عظيم حتى إنه لما تسلطن أنعم عليه باقطاع هائل وحبسه رزقه على زاويته وأعطاه مبلغا كبيرا من الذهب مع قصر مدته وكان سمحا يبذل ما بيديه للفقراء في إطعام طعام وإيصال معروف إليهم ولذلك كانت زاويته مشحونة بالفقهاء والفقراء ودام على ذلك سنين إلى أن توفي وقد اجتمعت به غير مرة وكانت له محاضرة حسنة ومذاكرة حلوة إلا إنه كان لا يقوم لأحد من الناس القادمين إليه كائنا من كان حتى ولا قضاة القضاء وعيب عليه ذلك وكان مليح الشكل منور الشيبة بشوشا فصيحا.