للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صينت الأخلاق فقد صينت الصحة والأعراض والأموال والدماء وحفظ الأمن والنظام.

والعلة في اهتمام الشريعة بالأخلاق على هذا الوجه، أن الشريعة تقوم على الدين، وأن الدين يأمر بمحاسن الأخلاق، ويحث على الفضائل، ويهدف إلى تكوين الجماعة الصالحة الخيرة، ولما كان الدين لا يقبل التغيير والتبديل، ولا الزيادة والنقص، فمعنى ذلك أن الشريعة سيظل ما بقى الدين الإسلامي حريصة على حماية الأخلاق، آخذة الشدة من يحاول العبث بها.

والعلة في استهانة القوانين الوضعية بالأخلاق، أن هذه القوانين لا تقوم على أساس من الدين، وإنما تقوم على أساس من الواقع وما تعارف الناس عليه من عادات وتقاليد. والقواعد القانونية الوضعية يضعها عادة الأفراد الظاهرون في المجتمع بالاشتراك مع الحكام، وهم يتأثرون حين وضعها بأهوائهم، وضعفهم البشري، ونزعاتهم الطبيعية إلى التحلل من القيود. كذلك فإن هذه القواعد قابلة للتغيير والتبديل بحسب أهواء القائمين على أمر الجماعة. فكان من الطبيعي أن تهمل القوانين الوضعية المسائل الأخلاقية شيئاً فشيئاً، وأن يأتي وقت تصبح فيه الإباحية هي القاعدة والأخلاق الفاضلة هي الاستثناء، ولعل البلاد التي تطبق القوانين الوضعية قد وصلت إلى هذا الحد الآن.

ويترتب على هذا الفرق بين الشريعة والقوانين الوضعية، أن يزيد عدد الأفعال التي تكون الجرائم الأخلاقية، ويتسع مداها في البلاد التي تطبق الشريعة، وأن يرتفع مستوى الأخلاق والقيم الروحية إلى درجاته في هذه البلاد. أما البلاد التي تطبق القوانين الوضعية فإن مستوى الأخلاق فيها ينحط إلى أدنى دركاته، وترتفع القيم المادية بينما تنحط القيم الروحية، وتتفشى الإباحية البهيمية، وتنكمش الإنسانية، وتقل الأفعال التي تعتبر جرائم أخلاقية حتى تكاد تنعدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>