وإرشادهم من الضلالة، ولكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة.
٤٤ - الشريعة والقانون: وتتفق الشريعة الإسلامية مع القوانين الوضعية في أن الغرض من تقرير الجرائم والعقاب عليها هو حفظ مصلحة الجماعة، وصيانة نظامها، وضمان بقائها.
ولكن الشريعة - بالرغم من هذا الاتفاق الظاهر - تختلف عن القوانين الوضعية من وجهتين:
٤٥ - الوجه الأول من الخلاف بين الشريعة والقانون: تعتبر الشريعة الأخلاق الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع، ولهذا فهي تحرص على حماية الأخلاق وتتشدد في هذه الحماية بحيث تكاد تعاقب على كل الأفعال التي تمس الأخلاق. أما القوانين الوضعية، فتكاد تهمل المسائل الأخلاقية إهمالاً تاماً، ولا تعني بها إلا إذا أصاب ضررها المباشر الأفراد أو الأمن أو النظام العام، فلا تعاقب القوانين الوضعية مثلاً على الزنا إلا إذا أكره أحد الطرفين الآخر، أو كان الزنا بغير رضاه رضاء تاماً، لأن الزنا في هاتين الحالتين يمس ضرره المباشر الأفراد كما يمس الأمن العام. أما الشريعة فتعاقب على الزنا في كل الأحوال والصور، لأنها تعتبر الزنا جريمة تمي الأخلاق، وإذا فسدت الأخلاق فقد فسدت الجماعة وأصابها الانحلال. وأكثر القوانين الوضعية لا تعاقب على شرب الخمر، ولا تعاقب على السكر لذاته، وإنما تعاقب السكران إذا وجد في الطريق العام في حالة سكر بيِّن، فالعقاب على وجوده في حالة سكر بيِّن في الطريق العام، لأن وجوده في هذه الحال يعرض الناس لأذاه واعتدائه، وليس العقاب على السكر لذاته باعتباره رذيلة، ولا على شرب الخمر باعتبار أن شربها مضر بالصحة، متلف للمال، مفسد للأخلاق. أما الشريعة فتعاقب على مجرد شرب الخمر ولو لم يسكر منها الشارب؛ لأنها تنظر إلى الجريمة من الوجهة الخلفية التي تتسع - كما نعلم - لشتى المناحي والاعتبارات، فإذا