وهذا عمل من الصعوبة بمكان، ومن ثم كان مبحث النسيان في الجرائم مبحثاً قليل الأهمية، إذ يندر أن يستطيع شخص أن يثبت بدليل مقنع أنه ارتكب الجريمة ناسياً.
والنسيان عند أصحاب الرأي الأخير لا يسقط الواجبات أيضاً، فالواجب يظل واجباً على الناسي وعليه أن يفعله، كما أن النسيان يعتبر شبهة تدرأ العقوبة كلما وجبت عقوبة الحد على الناسي، وإذا درأت عقوبة الحد حل محلها التعزير، فأثر النسيان على الجرائم طبقاً للرأي الأخير قاصر على إعفاء الناسي من العقوبة في بعض الأحوال ودرء عقوبة الحد عنه في حالات أخرى.
* * *
المبحث السادس
أثر الرضاء بالجريمة على المسئولية الجنائية
٣٠٦ - أثر الرضاء على المسئولية الجنائية: الأصل في الشرعية الإسلامية أن رضاء المجني عليه بالجريمة وإذنه فيها لا يبيح الجريمة ولا يؤثر على المسئولية الجنائية إلا إذا هدم الرضا ركناً من أركان الجريمة كالسرقة والغصب مثلاً، فإن الركن الأساسي في الجريمتين هو أخذ المال على غير رغبة المجني عليه، فإذا رضي المجني عليه بأخذ المال كان الفعل مباحاً لا جريمة.
وهذه القاعدة العامة تطبقها الشريعة بدقة على كل الجرائم ما عدا جرائم الاعتداء على لنفس وما دونها، أي جرائم القتل والجرح والضرب، وكان المنطق يقضي أن تطبيق القاعدة على هذه الجرائم أيضاً؛ لأن الرضا لا يهدم ركناً من أركان جريمة القتل أو الجرح أو الضرب، ولكن الذي منع من تطبيق هذه العاقدة هو وجود قاعدة أخرى خاصة بهذه الجرائم، وهي أن للمجني عليه وأوليائه حق العفو عن العقوبة الأصلية في الجناية على النفس وما دون النفس، فلهم أن يعفوا عن القصاص إلى الدية، ولهم أن يعفوا عن القصاص والدية معاً، فلا يبقى بعد ذلك إلا تعزير الجاني إن رأى ذلك أولو الأمر، أي من لهم حق التشريع.