تأخذ بالثالثة ولم تأخذ بعد بالرابعة، وليست هذه النظريات الأربع هي كل أحكام آية الدين، وإنما هي بعض أحكامها، فالآية تشترط أن يكون الكاتب محايداً عدلاً عالماً بأحكام الشريعة فيما يكتبه، وتوجب عليه أن لا يمتنع عن الكتابة، وتشترط أن يشهد على سند الدين رجلان أو رجل وامرأتان، وتوجب عدم الإضرار بالكاتب أو الشاهد. وهذه كلها مبادئ عامة لا نستطيع أن نستعرضها جميعاً في هذا الكتاب الذي خصصناه للمبادئ العامة الجنائية، وإذا كنا قد تكلمنا عن نظريات دستورية واجتماعية وإدارية فإنما قصدنا من ذلك أن نبين أن نصوص الشريعة في كل ما جاءت فيه تتميز بالكمال والسمو والدوام حتى لا يظن البعض أن هذه المميزات تتوفر في قسم دون آخر من الشريعة.
٣٨ - تذكير: وقبل أن أنتقل إلى موضوع البحث أحب أن أقول للمسلمين الذين يعتقدون - خطأ - أن الشريعة الإسلامية لا تصلح للتطبيق في عصرنا الحاضر؛ أحب أن أقول لهؤلاء: إن هذه العقيدة لا تتفق مع عقيدة الإسلام الذي يدّعونه ويحرصون على التمسك به، وأن عليهم أن يذكروا قوله تعالى:{إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة: ٨٥] ، وليعلم هؤلاء أن سبب تأخرها وانحطاطنا هو أننا لم نطبق الشريعة تطبيقاً عادلاً ولا كاملاً في عهودنا المظلمة المتأخرة، وأن حكامنا من الأتراك والمماليك كانوا يحكمون هواهم في كل ما يهتمون به، ويحكمون الشريعة فيما لا يضرهم ولا ينفعهم. وإذا كان سبب تأخرنا هو إهمال الشريعة وترك أحكامها فلن يجدينا الأخذ بالقوانين شيئاً، بل سيزيدنا تأخراً على تأخر وانحطاطاً على انحطاط، وإنما علاجنا المجدي هو القضاء على سبب التأخر والعودة لأحكام الشريعة.
لقد طبق آباؤنا بعض أحكام الشريعة دون البعض الآخر، وآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه؛ فصدقهم الله وعده - إن وعد الله حق - وأخزاهم