العاتية، فقد كان عمر بن الخطاب يحكم بالعدل لا يبغي عرض الدنيا وإنما يبغي ثواب الآخرة, وكان يبتعد عن الظلم؛ لأنه يخشى اليوم الآخر، أما حكام اليوم فإنما يحكمون بالعدل إذا حكموا لينالوا ثناء الجماهير، ويبتعدون عن الظلم لأنهم يخشون فقدان مناصبهم.
وكان العالم الورع قديماً يكتب ما يكتب لوجه الله وطمعاً فيما عنده ويدع ما يدع خشية من الله وخوفاً من غضبه، وأما العالم المطلع اليوم فيكتب ما يكتب لتروج كتاباته لدى الجماهير؛ ويدع ما يدع خوفاً من إعراض الجماهير وما يتبع الإعراض من الكساد والبوار.
وكان العامل المتدين ما زال يعمل ليؤدي ما عليه من حق لرب العمل إرضاء لله ولا يقصر في عمله خشية غضب الله, أما العامل اليوم فإنما يجد في عمله انتظاراً للمكافأة العاجلة من رب العمل أو طلباً لزيادة الأجر, ويبتعد عن التقصير؛ لأنه يجر عليه الطرد والحرمان من العمل.
هذه هي طبيعة الناس لن تتغير ولن تتبدل ولو تغيرت مظاهرها وتبدلت وسائلهم, وهي طبيعتهم إذا تقدموا وطبيعتهم إذا تأخروا, ويرجون الثواب ويحرصون على الوصول إليه, ويخشون العقاب ولا يرضونه لأنفسهم، فمن الحكمة أن تستغل طبيعة البشر في سياستهم وتوجههم، وقد استغلت الشريعة الإسلامية طبيعة البشر فأقامت أحكامها على أساس ما في خلائقهم الأصلية من رجاء وخوف, ومن قوة وضعف, فجاءت أحكاماً صالحة لكل مكان وزمان؛ لأن طبائع البشر واحدة في كل مكان؛ ولأنها لا تتغير بتغير الأزمان. وذلك هو السر في صلاحية الشريعة للقديم والحديث, وهو السر في صلاحيتها للمستقبل القريب والبعيد.
* * *
المبحث الثالث
عقوبة الشرب
٤٥٧ - عقوبة الجلد: تعاقب الشريعة على شرب الخمر بالجلد ثمانين جلدة،