٤٥٦ - عقوبة القذف في القوانين: وتعاقب القوانين على القذف بالحبس أو بالغرامة أو بهما معاً, وهي عقوبات غير رادعة، ولذلك ازدادت جرائم القذف والسب زيادة عظيمة، وأصبح الناس وعلى الأخص رجال الأحزاب يتبادلون القذف والسب كما لو كانوا يتقارضون المدح والثناء، كل يحاول تحقير الآخر وتشويهه بالحق أو بالباطل، وكل يريد أن يهدم أخاه ليخلوا له الجو ينطلق فيه, وسيظلون كذلك حتى يمزقوا أعراضهم ويقطعوا أرحامهم ويهدموا أنفسهم بأيديهم، ولكنهم سيتركون أسوأ مثل يحتذى لمن بعدهم.
ولو أن أحكام الشريعة الإسلامية طبقت على هؤلاء بدلاً من القانون لما جرؤ أحدهم على أن يكذب على أخيه كذبة واحدة؛ لأنها تؤدي به إلى الجلد وتنتهي بإبعاده عن الحياة العامة, فلا قيادة ولا رئاسة ولا أمر ولا نهي، ذلك أن من كذب سقطت شهادته، ومن سقطت شهادته سقطت عدالته, ومن سقطت عدالته سقطت عنه قيادته ورئاسته، ولأن الأمر والنهي من حق المتيقن ولا يكون أبداً للفاسقين.
وما تشكو منه مصر وتتألم له تشكو منه كل البلاد الديموقراطية, ويرى بعض المفكرين في هذا عارضاً محتملاً تقتضيه حياة الشورى؛ لأنها تقوم على اختلاف وجهات النظر وتعد الأحزاب واختلاف البرامج, ويراه البعض شراً مستطيراً ومرضا ًخطيراً من أمراض الديموقراطية لا ينقضي إلا بالقضاء عليها, وأصحاب الرأيين على خطأ فيما ذهبوا إليه؛ لأن الشورى لا تقتضي بطبيعتها خلق الجرائم ولا التشجيع على ارتكابها, ولو هدوا إلى الطيب من القول لقالوا إن هذا العارض المحتمل وهذا الشر المستطير كلاهما ناشئ عن انعدام العقوبة الرادعة التي تصد الناس عن اقتراف الجريمة.
إن العالم كله يقوم على فكرة الثواب والعقاب, ولقد كان يسير على هذه الفكرة في روحانيتها القديمة الباقية، وهو يسير عليها الآن في ماديته الحديثة