عقوبة الحبس، تلك المساوئ التي وجدت عقوبة الغرامة للتخفيف من حدتها في القوانين الوضعية.
والأصل في الشريعة أن لجرائم التعزير مجموعة من العقوبات تختلف في بساطتها وشدتها، وللقاضي أن يعاقب الجاني بالعقوبة أو العقوبات التي يراها ملائمة للجريمة وللجاني، فإذا حرص بعض الفقهاء على أن يجعلوا من الغرامة عقوبة عامة فإنهم يقصدون من ذلك أن يدخلوا الغرامة في مجموعة عقوبات التعزير، فيكون للقاضي أن يعاقب بها كلما رآها ملائمة للجريمة والمجرم، فإذا لم تكن ملائمة فهو غير ملزم بالحكم بها في أي حال.
* * *
الفصل الخامس
مدى صلاحية العقوبات الشرعية
٤٩٤ - العقوبات الشرعية والإحصائيات: بينا فيما سبق أنواع العقوبات في الشريعة الإسلامية والمميزات التي تميز كل نوع عن النوع الآخر. وقلنا: إن الشريعة حرصت في عقوبات جرائم الحدود وجرائم القصاص على تقرير عقوبة أو عقوبات خاصة لكل جريمة، وإنها نظرت في تقرير هذه العقوبات إلى الجريمة دون المجرم، وإنها حدت من سلطة القاضي تلقاء هذه العقوبات بحيث جعلته مسيراً لا مخيراً، فلا يستطيع أن ينقص من العقوبة أو يزيد عليها, ولا يستطيع أن يخفف العقوبة أو يغلظها؛ لأن العقوبات المقررة عقوبات مقدرة.
كما حدت الشريعة من سلطان القاضي حدت من سلطان المشرع, فليس له أن يستبدل بعقوبة أخرى وليس له أن يعفو عن العقوبة أو يوقف تنفيذها وإن كان له أن يغلظ العقوبة المقرة بعقوبة تعزيرية أخرى, فليس له مثلاً أن يجعل عقوبة القذف خمسين جلدة ولكنه يستطيع أن يضيف إلى عقوبة الجلد المقررة للقذف عقوبة الغرامة أو الحبس, وأن يزيد عقوبة الجلد عن ثمانين جلدة