النصوص وهي قليلة، ويستنبط القواعد والمبادئ والنظريات التي تترتب على هذه النصوص ويترتب على أساسها الأحكام، فأكثر عمله فقه وأقله شرح، ومن ثم غلب عليه لفظ الفقيه. والعالم في القانون أكثر عمله شرح النصوص التي لا حد لها من الكثرة، وهو يشرحها طبقاً للقواعد والمبادئ التي جاءت بها النصوص العامة، وهذا لا يمنعه أن يستنبط بين الحين والآخر مبدأ جديداً أو نظرية حديثة، إلا أن استنباط المبادئ والنظريات هو أقل عمله وشرح النصوص هو أكثر عمله، لأن ورود النصوص في كل ما يتصور من حالات يسد عليه باب التفكير والاستنباط ويوجهه إلى الشرح، ومن ثم غلب عليه لفظ الشارح.
٨ - لماذا بدأت بالقسم الجنائي؟: ولقد بدأت بالقسم الجنائي لأنه القسم المنبوذ المظلوم في الشريعة. فنحن معشر القانونيين لا ندرس من الشريعة إلا الجزء الخاص بالأحوال الشخصية، وما عدا ذلك فهو مهمل إهمالاً يكاد يكون تاماً، وبخاصة القسمين المدني والجنائي. وقد أدى بنا هذا الإهمال إلى نتيجة لابد منها وهي أنا نجهل أحكام هذين القسمين جهلاً فاضحاً. ولكننا بالرغم من ذلك نعترف بان الشريعة بلغت في المسائل المدنية مستوى لا يقل عن المستوى الذي بلغته القوانين الوضعين.
وقد ساعدنا على هذا الاعتراف من وجه أن رجال القانون يرجعون إلى الشريعة مجبرين في قليل من المواضع المدنية، لأن نصوص القانون المدني التي تحكم هذه المواضيع أخذت عن الشريعة الإسلامية، وهذه النصوص على قلتها يمكن أن تعطي فكرة لا بأس بها عن الشريعة. كذلك ساعد على هذا الاعتراف من وجه آخر أن المرحوم محمد قدري باشا سهل بكتابه "مرشد الحيران" المقارنة بين القسم المدني من الشريعة على مذهب أبي حنيفة وبين القوانين الوضعية، حيث نظم أحكام المذهب الحنفي في المسائل المدنية في مواد وأبواب متتالية على غرار مواد وأبواب القانون المدني المصري، فمكن رحمه الله بعمله هذا لكل من يطلع