للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدول يطالبون دولهم أن تأخذ بها.

٣٤ - نظرية إثبات الدين التجاري: اشترطت الشريعة - كما بينا - الكتابة لإثبات الدين سواء كان الدين صغيراً أو كبيراً، ولكنها استثنت من هذا المبدأ العام الدين التجاري (١) وأباحت إثباته بغير الكتابة من طرق الإثبات، وذلك قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا} ، والعلة في استثناء الديون التجارية من شرط الكتابة أن الصفقات التجارية تقتضي السرعة ولا تحتمل الانتظار، ولأن المعاملات التجارية أكثر عدداً وتكراراً وتنوعاً، فاشتراط الكتابة فيها يؤدي إلى الحرج وقد يضيع فرصة الكسب على المشتري أو يعرض البائع للخسارة، ومن أجل هذا لم تقيد الشريعة المعاملات التجارية بما قيدت به المعاملات المدنية من اشتراط الكتابة.

والنص المقرر لهذه النظرية عام ومرن إلى آخر الحدود بحيث لا يحتاج على مر الأزمان تعديلاً أو تبديلاً، وليس أدل على ذلك من صلاحيته لوقتنا الحاضر مع أنه نزل منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.

ومن يعرف شيئاً عن تاريخ العرب وحالهم وقت نزول النص يعلم أن النص لم ينزل مجاراة لحال الجماعة أو تمشياً مع ما وصلت إليه، وإنما كان نزول النص ضرورة لتكميل الشريعة الدائمة الكاملة ولرفع مستوى الجماعة وتوجيههم الوجهة الصالحة.

وليس أدل على سمو الشريعة وكمالها من أن نظرياتها في إثبات الدين التجاري


(١) استثنت الشريعة أيضاً من الإثبات بالكتابة حالة الضرورة، وذلك قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>