تأتي على قدر حاجة الناس لما جاء بها شئ خاص بإثبات الالتزامات، أو لجاء بها من الأحكام ما يتفق مع أمية العرب وجهالتهم، أما أن تجئ الشريعة على هذا الوجه فتفرض على الأميين كتابة الصغير والكبير فذلك هو السمو الذي تتميز به الشريعة الكاملة الدائمة. فرضت الشريعة الإسلامية الكتابة بين الأميين لتحملهم على أن يتعلموا فتتسع مداركهم وتتثقف عقولهم، ويحسنوا فهم هذه الحياة الدنيا؛ فيصبحوا - وقد تعلموا - أهلاً لمنافسة الأمم الأخرى وللتفوق والسيطرة عليها، وهذه أغراض اجتماعية وسياسية بحتة، أما الغرض القانوني فهو حفظ الحقوق وإقامة الشهادات والابتعاد عن الريب والشكوك.
فالشريعة حين أوجبت الكتابة في الصغير والكبير جاءتنا بنظرية عظيمة ذات وجوه سياسية واجتماعية وقانونية، وهذه النظرية التي نزل بها القرآن على الرسول في القرن السابع الميلادي هي من أحدث النظريات في القوانين الوضعية وفي المذاهب الاجتماعية الحديثة، فالدول قد بدأت من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن الحالي تفرض على شعوبها أن يتعلموا تعليماً إجبارياً رجالاً ونساء، وهذا الذي تفرضه الدول على الشعوب إنما هو تطبيق للنظرية الإسلامية في ناحيتها السياسية والاجتماعية. وقد بدأت الدول تأخذ بالناحية القانونية من النظرية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، حين اشترط القانون الفرنسي الذي أخذت عنه القوانين الأوروبية أن يكون الدين مكتوباً إذا زاد عن مقدار معين، ولكن شراح القانون رأوا أن الإثبات بالكتابة تكون أكمل وأكثر توفيقاً لو اشترطت الكتابة في الصغير والكبير، وظلوا ينادون برأيهم هذا حتى حققته أخيراً بعض دول أوروبا، ولا يزال الشراح في الدول الأخرى ينادون به ويأملون تحقيقه. وإذن فأحدث نظريات الإثبات في عصرنا الحاضر هي نفس نظرية الشريعة الإسلامية أخذت بها بعض القوانين الوضعية ولا يزال الشراح في بعض