إلا ولله فيه حق، إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذاه لغيره" (١) ، فإذا اعتبرت الشريعة بعض الجرائم ماسة بمصلحة الجماعة فذلك لأنها تمس مصلحة الجماعة أكثر مما تمس مصلحة الفرد، وإذا اعتبرت بعض الجرائم ماسة بمصلحة الأفراد فذلك لأنها تمس مصلحة الأفراد أكثر مما تمس مصلحة الجماعة.
* * *
المبحث الثاني
تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة
جرائم عادية - وجرائم سياسية، أي بغي
٧٥ - التفرقة بين الجرائم العادية والجرائم السياسية: فرقت الشريعة من يوم وجودها بين الجرائم العادية وجرائم البغي؛ أي الجرائم السياسية، ولكن الشريعة راعت في هذه التفرقة مصلحة الجماعة وأمنها، والمحافظة على نظامها وكيانها، فلم تعتبر كل جريمة ارتكبت لغرض سياسي جريمة سياسية، وإن كانت قد اعتبرت بعض الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف سياسية معينة جرائم سياسية.
ولا تختلف الجريمة السياسية عن الجريمة العادية في طبيعتها، فكلاهما تتفق مع الأخرى في المحل والنوع والوسائل، وإنما يختلفان في البواعث التي تبعث عليهما. فالجريمة السياسية ترتكب لتحقيق أغراض سياسية، أو تدفع إليها بواعث سياسية، أما الجرائم العادية فالأصل فيها أن تكون بواعثها عادية، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن تدفع إليها بواعث سياسية، ومعنى هذا أن الجريمة العادية تختلط أحياناً بالجريمة السياسية، ولهذا كان للتفريق بين الجريمتين أهمية كبرى.