ولقد كان لعقوبات الزنا التي جاءت بها الشريعة أثرها في محاربة الجريمة في كل زمان ومكان، ونستطيع أن نلمس هذا الأثر في أي بلد يأخذ بأحكام الشريعة، ونستطيع أن نلمسه في الفرق بين ما كنا عليه من خمسين أو أربعين أو ثلاثين سنة أو أقل من ذلك وبين ما نحن عليه الآن, ولم تكن الشريعة تطبق قبل خمسين سنة ولكن أثرها قوي كان لا يزال باقياً متمثلاً في أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا ثم أخذ يضعف ويتضاءل على مر الأيام.
ونستطيع أن نلمس أثر الشريعة واضحاً في الفرق بين الشرق الإسلامي عامة وبين بلاد الغرب, بالرغم من أن بلاد الشرق كلها تقريباً قد أخذت بقوانين الغرب ونظمه ودرجت على أثره وراحت تتشبه به حتى فيما يتصل بالأعراض والأخلاق, فلا زال الشرق ينفر من جريمة الزنا ويستفظعها ويحقر مرتكبيها ويستقل كل عقوبة مهما عظمت عليها، بينما الغرب لا يحفل بهذه الجريمة ولا يهتم بالأخلاق والأعراض على العموم. والفرق بين الشرق والغرب هو الفرق بين الشريعة والقانون، كل قد ترك طابعه في الجماعة التي حكمها طويلاً, فعقوبة الشريعة العادلة الرادعة قد خلفت وراءها مجتمعاً صالحاً يقوم على الأخلاق الفاضلة, وعقوبة القانون الهينة على الأفراد المضيعة للجماعة قد تركت وراءها مجتمعاً فاسداً منحلاً تسيره الأهواء وتحكمه الشهوات.
* * *
المبحث الثاني
عقوبة القذف
٤٥٥ - الجلد وعدم الأهلية للشهادة: للقذف في الشريعة عقوبتان: إحداهما: أصلية وهي الجلد، والثانية: تبعية وهي عدم قبول شهادة القاذف.
وعقوبة الجلد ولو أنها بطبيعتها ذات حدين إلا أن عقوبة الجلد للقاذف ذات حد واحد؛ لأن عدد الجلدات محدد، وليس للقاضي أن ينقص منها أو يزيد فيها أو يستبدل بها غيرها.