للزجر والتخويف، وليس من مصلحة المجتمع في شئ أن يفهم أفراده أن العقوبة هينة لينة لا يؤلم ولا تدعو للخوف، وقد بلغت آية الزنا الغاية في إبراز هذا المعنى حيث جاء بها:{وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه} ، وحيث جاء بها:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور: ٢] ، ذلك أن الرأفة بالمجرمين تشجيع على الإجرام، والعذاب الذي يصحب العقوبة هو الذي يؤدب من أجرم ويزجر من لم يجرم.
٤٥٤ - تعليق على عقوبات الزنا: هذه هي عقوبات الزنا في الشريعة الإسلامية, لم تجئ إرتجالاً ولم توضع اعتباطاً وإنما جاءت بعد فهم صحيح لتكوين الإنسان وعقليته، وتقدير دقيق لغرائزه وميوله وعواطفه، ووضعت لتحفظ مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فهي عقوبات علمية تشريعية؛ لأنها شرعت لمحاربة الجريمة، وهذه ميزة تمتاز بها العقوبات التي وضعتها الشريعة لجرائم الحدود وجرائم القصاص والدية, ولا تكاد هذه الميزة توجد في عقوبة من العقوبات التي تطبقها القوانين الوضعية.
ولا ريب في أن العقوبة التي تقوم على فهم نفسية المجرم هي العقوبة التي يكتب لها النجاح؛ لأنها تحارب الإجرام في نفس الفرد وتحفظ مصلحة الجماعة، ثم هي بعد ذلك أعدل العقوبات؛ لأنها لا تظلم المجرم ولا تهضمه ولا تحمله ما لا يطيق في سبيل الجماعة، وكيف تظلمه وقد بنيت على أساس قدرته واشتقت من طبيعته ونفسيته؟ وهي عادلة أيضاً بالنسبة للجماعة؛ لأن عدالتها بالنسبة للأفراد هي العدالة لمجموعهم، ولأنها تحفظ للمجتمع حقه ولا تضحي به في سبيل الأفراد، والعقوبة التي تحابي الأفراد على حساب الجماعة إنما تضيع مصلحة الفرد والجماعة معاً؛ لأنها تؤدي إلى ازدياد الجرائم واختلال الأمن ثم توهين النظام وانحلال المجتمع، وإذا دب الانحلال في مجتمع فقل على الأفراد وعلى المجتمع العفاء.