بالدوام؛ أي بالثبات والاستقرار، فنصوصها لا تقبل التعديل والتبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان.
هذه هي الميزات الجوهرية للشريعة الإسلامية، وهي على تعددها وتباينها ترجع إلى أصل واحد نشأت عنه جميعاً بحيث يعتبر كل منها أثراً من آثاره، وهذا الأصل هو أن الشريعة الإسلامية من عند الله ومن صنعه، ولولا أن الشريعة من عند الله لما توفرت فيها صفات الكمال والسمو والدوام، تلك الصفات التي تتوفر دائماً فيما يصنعه الخالق ولا يتوفر شئ منها فيما يصنعه المخلوق.
٢٠ - الأدلة على توفر هذه المميزات في الشريعة: وإذا كنا قد ذكرنا أن الشريعة تتميز بالكمال والسمو والدوام فقد بقى علينا أن نقدم الدليل على توفر هذه المميزات، وسيتبين للقارئ فيما يأتي أن هذه المميزات متوفرة في كل مبدأ، وفي كل نظرية، وفي كل قاعدة قانونية جاءت بها الشريعة الإسلامية، وسنعرض على القارئ الآن طائفة من النظريات والمبادئ الشرعية التي لم تعرفها القوانين الوضعية إلا أخيراً، أو لم تعرفها بعد، تتوفر فيها جميعاً كل هذه المميزات، وسيرى القارئ أن هذه المميزات كلها تتوفر في كل المبادئ والنظريات التي سنتعرض لدراستها في هذا الكتاب، فالدليل إذن على توفر هذه المميزات هو الواقع الذي لا يكذب، وليس بعد منطق الواقع حاجة لدليل أو استدلال.
٢١ - نظرية المساواة: جاءت الشريعة الإسلامية من وقت نزولها بنصوص صريحة تقرر نظرية المساواة وتفرضها فرضاً، فالقرآن يقرر المساواة ويفرضها على الناس جميعاً في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}