ولا تعاقب الشريعة على القذف إلا إذا كان كذباً واختلافاً، فإن كان تقديراً للواقع فلا جريمة ولا عقوبة.
والبواعث التي تدعو القاذف للافتراء والاختلاق كثيرة منها: الحسد والمنافسة والانتقام، ولكنها جميعاً تنتهي إلى غرض واحد يرمي إليه كل قاذف هو إيلام المقذوف وتحقيره.
وقد وقعت عقوبة القذف في الشريعة على أساس محاربة هذا الغرض، فالقاذف يرمي إلى إيلام المقذوف إيلاماً نفسياً فكان جزاؤه الجلد ليؤلمه إيلاماً بدنياً؛ لأن الإيلام البدني هو الذي يقابل الإيلام النفسي؛ لأنه أشد منه وقعاً على النفس والحس معاً، إذ أن الإيلام النفسي هو بعض ما ينطوي عليه الإيلام البدني.
والقاذف يرمي من وراء قذفه إلى تحقير المقذوف, وهذا التحقير فردي؛ لأن مصدره فرد واحد هو القاذف, فكان جزاؤها أن يحقر من الجماعة كلها وأن يكون هذا التحقير العام بعض العقوبة التي تصيبه فتسقط عدالته ولا تقبل له شهادة أبداً ويوصم وصمة أبدية بأنه من الفاسقين.
وهكذا حاربت الشريعة الإسلامية الدوافع النفسية الداعية إلى الجريمة بالعوامل النفسية المضادة التي تستطيع وحدها التغلب على الدوافع الداعية للجريمة وصرف الإنسان عن الجريمة، فإذا فكر شخص أن يقذف آخر ليؤلم نفسه ويحقر شخصه ذكر العقوبة التي تؤلم النفس والبدن، وذكر التحقير الذي تفرضه عليه الجماعة، فصرفه ذلك عن الجريمة، وإن تغلبت العوامل الداعية إلى الجريمة مرة على العوامل الصارفة عنها فارتكب الجريمة, كان فيما يصيب بدنه ونفسه من ألم العقوبة وفيما يلحق شخصه من تحقير الجماعة ما يصرفه نهائياً عن العودة لارتكاب الجريمة بل ما يصرفه نهائياً عن التفكير فيها.