على كتابه أن يقارن بسهولة بين أحكام الشريعة وأحكام القانون، وأن يعرف دون الرجوع إلى الكتب الفقهية مدى الائتلاف والاختلاف، وإن كانت هذه المعرفة وتلك المقارنة لا تنتهي في الغالب إلى نتائج صحيحة ما دام المطلع يجهل كل الجهل الأصول والقواعد العامة التي قامت عليها الأحكام الشرعية، وما دام يجهل كل شئ عن آراء فقهاء المذاهب الأخرى.
أما القسم الجنائي فهو في عقيدة جمهور رجال القانون لا يتفق مع عصرنا الحاضر ولا يصلح للتطبيق اليوم، ولا يبلغ مستوى القوانين الوضعية. وهي عقيدة خاطئة مضللة. وإذا حاول أي شخص منصف أن يعرف الأساس الذي قامت عليه هذه العقيدة فسيعجزه أن يجد لها أساساً سوى الجهل، وسيدهشه أن يعلم أننا نحكم على القسم الجنائي في الشريعة بعد الصلاحية ونحن نجهل كل الجهل أحكام الشريعة الجنائية مجملة ومفصلة.
ومن المؤلف للنفس أن تروج هذه العقيدة الخاطئة أو الأكذوبة الكبرى، وأن يلقنها الطلبة على أنها عقيدة مسلًّم بها من أولي العلم والقائمين على أمر التشريع، بالرغم من أنها قائمة على مخالفة الواقع، وإنكار الحقائق، والجهل الفاضح بأحكام الشريعة. ومن أراد أن يعرف مدى خطأ هذه العقيدة وضلالها فعليه أن يرجع إلى كتب الشريعة الإسلامية ليرى أن كل مبدأ وكل قاعدة وكل نظرية في الشريعة الإسلامية تنادي بخطأ هذه العقيدة وبعدها عن الصواب.
وقد رأيت في الواجب عليّ - بعد أن تبين لي ذلك - أن أحارب هذه العقيدة الخاطئة الظالمة، وأن أبدأ بالكتابة في القسم الجنائي الذي نبذناه دون حق، وجهلناه دون عذر؛ لأعرّف الناس بهذا القسم على حقيقته، ولأبين لهم أن الشريعة تتفوق على القوانين الوضعية تفوقاً عظيماً في المسائل الجنائية العامة، وأن القسم الجنائي في الشريعة صالح كل الصلاحية للتطبيق في عصرنا الحالي وفي المستقبل كما كان صالحاً كل الصلاحية في الماضي.