وهي عقوبة ذات حد واحد؛ لأن القاضي لا يستطيع أن ينقص منها أو يزيد عليها أو يستبدل بها غيرها.
ويرى الشافعي أن حد الشرب أربعين جلدة فقط على خلاف بقية الأئمة، وحجته أنه لم يثبت عن الرسول أنه ضرب في الخمر أكثر من أربعين, أما الأربعون الأخرى فليست من الحد عند الشافعي وإنما هي تعزير.
ومصدر العقوبة التشريعي هو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه", أما تحريم الخمر فمصدره القرآن, والرأي الراجح أن العقوبة لم يحدد مقدارها بثمانين جلدة إلا في عهد عمر بن الخطاب، حيث استشار أصحاب الرسول في حد شارب الخمر، فأفتى علي بن أبي طالب بأن يحد ثمانين جلدة؛ لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى, وإذا هذى افترى, وحد المفترى - أي القاذف - ثمانون جلدة, ووافق أصحاب الرسول على هذا الرأي. وإذن تحريم الخمر مصدره القرآن, والعقاب مصدره السنة, ومقدار الحد مصدره الإجماع.
والدافع الذي يدفع شارب الخمر لشربها هو رغبته في أن يسنى آلامه النفسية، ويهرب من عذاب الحقائق إلى سعادة الأوهام التي تولدها نشوة الخمر.
وقد حاربت الشريعة هذا الدافع في نفس شارب الخمر بعقوبة الجلد, فهو يريد أن يهرب من آلام النفس ولكن عقوبة الجلد ترده إلى ما هرب منه وتضاعف له الألم إذ تجمع له بين ألم النفس وألم البدن, وهو يريد أن يهرب من عذاب الحقائق إلى سعادة الأوهام وعقوبة الجلد تروه إلى العذاب الذي هرب منه وتجمع له بين عذاب الحقائق وعذاب العقوبة.
فالشريعة بوضعها عقوبة الجلد لشارب الخمر قد وضعتها على أساس متين من علم النفس, وحاربت الدوافع النفسية التي تدعو للجريمة بالدوافع النفسية المضادة التي تصرف بطبيعتها عن الجريمة والتي لا يمكن أن يقوم غيرها من الدوافع النفسية مقامها, فإذا ما فكر الشخص في شرب الخمر لينسى آلام نفسه ذكر مع