وقد أدى وجود القاعدتين معاً إلى اختلاف الفقهاء على المدى الذي تطبق فيه كل قاعدة، كما جعل آراء الفقهاء في القتل تختلف عن آرائهم في القطع والجرح، ولهذا سنتكلم أولاً عن الرضاء بالقتل، ثم نتكلم بعد ذلك عن الرضاء بالقطع والجرح.
٣٠٧ - الرضاء بالقتل: يرى أبو حنيفة وأصحابه أن الإذن بالقتل لا يبيح الفعل؛ لأن عصمة النفس لا تباح إلا بما نص عليه الشرع، والإذن بالقتل ليس منها، فكان الإذن عدماً لا أثر له على الفعل، فيبقى الفعل محرماً معاقباً عليه باعتباره قتلاً عمداً، لكنهم اختلفوا فيما بينهم على العقوبة التي توقع على الجاني، فرأى أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أن يدرءوا عقوبة القصاص عن الجاني، وأن تكون العقوبة الدية على أساس أن الإذن بالقتل شبهة، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ادرأوا الحدود بالشبهات"، والقصاص معتبر حداً، فكل شبهة تقوم في فعل مكون لجريمة عقوبتها القصاص يدرأ بها الحد عن الجاني، ورأى زفر أن الإذن لا يصلح أن يكون شبهة، ومن ثم فهو لا يدرأ القصاص، فوجب أن يكون القصاص هو العقوبة (١) .
والرأي الراجح في مذهب مالك أن الإذن بالقتل لا يبيح الفعل ولا يسقط العقوبة، ولو أبرأ المجني عليه الجاني من دمه مقدماً؛ لأنه أبرأه من حق لم يستحقه بعد، وعلى هذا يعتبر الجاني قاتلاً عمداً. وبعض أصحاب هذا الرأي يرى أن تكون العقوبة القصاص حيث لا يعتبر الإذن شبهة تدرأ القصاص ويوجب الدية بدلاً من القصاص.
أما الرأي المرجوح في مذهب مالك - وينسبه ابن عرفة لسحنون - فهو أن الإذن بالقتل لا يبيح الفعل، ولكنه يسقط عقوبتي القصاص والدية معاً، وإن