للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليك، رسول الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه، وكان من نسك في الجاهلية من قريش يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته وقضاه لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة حتى إذا كان الشهر الآخر الذي أراد الله عز وجل ما أراد من كرامته من السنه التي بعثه فيها، وذلك شهر رمضان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يخرج لجواره، وخرج معه بأهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله عز وجل فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

جاءني وأنا نائم «١» فقال: إقرأ، فقلت: وما اقرأ «٢» ؟ حتى ظننت أنه الموت، ثم كشطه عني فقال: إقرأ، فقلت وما أقرأ؟ فعاد لي بمثل ذلك ثم قال: إقرأ، فقلت: وما أقرأ؟ وما أقولها إلا تنجيا أن يعود لي بمثل الذي صنع بي فقال:

«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي، وكأنما صور «٣» في قلبي كتاب، ولم يكن في خلق الله عز وجل أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أنظر إليهما، فقلت: إن الأبعد- يعني نفسه، صلى الله عليه وسلم- لشاعر أو مجنون، ثم قلت: لا تحدث قريش عني بهذا أبداً، لأعمدن إلى حالق من الجبل، فلأطرحن نفسي منه، فلأقتلنها، فلأستريحن، فخرجت ما أريد غير ذلك، فبينا أنا عامد لذلك سمعت منادياً ينادي من السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه، وشغلني عن ذلك وعما أريد، فوقفت ما أقدر على أن (٩٣) أتقدم ولا أتأخر ولا أصرف وجهي في


(١) زاد الطبري: ٢/ ٣٠١ في روايته عن ابن إسحق «بنمط من ديباج فيه كتاب» .
(٢) زاد الطبري «فغتني حتى ... » أي عصر في عصرا شديدا.
(٣) في رواية الطبري «وكأنما كتب في..» .

<<  <   >  >>