ناحية من السماء إلا رأيته فيها، فما زلت واقفا ما أتقدم ولا أتأخر حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي حتى بلغوا مكة ورجعوا، فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحول، ثم انصرف عني، وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا، فقلت لها: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك بالله يا أبا القاسم من ذلك، ما كان الله عز وجل ليفعل بك ذلك مع ما أعلم من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلة رحمك، وما ذاك يا ابن عم، لعلك رأيت شيئاً أو سمعته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: أبشر يا بن عم، واثبت له، فو الذي تحلف به إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فجمعت ثيابها عليها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل- وهو ابن عمها، وكان قد قرأ الكتب، وكان قد تنصر، وسمع التوراة والانجيل، فاخبرته الخبر، وقصت عليه ما قص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، إنه لنبي هذه الأمة، وإنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، فقولي له فليثبت، ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ما قال لها ورقة، فسهل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم بما جاءه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة، فقال: يا ابن أخ أخبرني بالذي رأيت وسمعت، فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبره، فقال ورقة: والذي نفس ورقة بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، وإنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذين، ولتكذبن، ولتقاتلن، ولتنصرن، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرنك نصراً يعلمه الله، ثم أدنى إليه رأسه فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وقد زاده الله عز وجل من قول ورقة ثباتاً، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم.