للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(قال فبعزَّتك لأغوينَّهم أجمعين - إلاَّ عبادك منهم المخلصين) [ص: ٨٢-٨٣] .

وهذا يكون في الإنسان، فالإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه، يشتهي ما يضره، ويلتذ به، بل يعشق ذلك عشقاً يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله، وحسبك أن تتأمل في حال شارب الخمر وشارب الدخان، فإنّ هذين المشروبين يقتلان شاربيهما، ويفتكان بهما، ولا يستطيعان منهما خلاصاً إلا بشق الأنفس.

هل يمكن أن يسلم الشيطان؟

الشيطان الأكبر الذي هو إبليس لا يمكن أن يسلم لخبر الله فيه أنه سيبقى على الكفر، أما غيره فالذي يظهر لنا أن الشيطان يمكن أن يسلم، بدليل أن شيطان الرسول صلى الله عليه وسلم أسلم (١) ، إلا أنّ بعض العلماء يرفض ذلك ويقول: إن الشيطان لا يكون مؤمناً، منهم شارح الطحاوية ووجه قوله: (فأسلم) ؛ أي فانقاد واستسلم (٢) .

وبعض العلماء يرى أن الرواية (فأسلمُ) برفع الميم، أي فأنا أسلمُ منه، ومع أن شارح الطحاوية يرى أنّ رواية الرفع تحريف للفظ، إلا أن النووي في شرحه على مسلم قال: " هما روايتان مشهورتان " وعزا إلى الخطابي أنّه رجح رواية الضم، وحكى عن القاضي عياض أنه اختار الفتح، وهو اختيار النووي (٣) .

وممن يرى أن الشيطان يمكن أن يسلم ابن حبان، قال معلقاً على الحديث: " في هذا الخبر دليل على أن شيطان المصطفى صلى الله عليه وسلم أسلم، حتى إنه لم يكن يأمره إلا بخير، إلا أنّه كان يسلم منه وإن كان كافراً ".

وما ذهب إليه شارح الطحاوية من أنّ الشيطان لا يكون إلا كافراً فيه نظر، فإن كان يرى أن الشيطان لا يطلق إلا على كافر الجن، فهذا صحيح، وإن كان يرى أن الشيطان لا يمكن أن يتحول إلى الإسلام، فهو بعيد جداً، والحديث حجّة عليه، وحسبنا أن نعلم أن الشيطان كان مؤمناً ثمّ كفر، وأن الشياطين مكلفون بالإيمان، معذبون على كفرهم، فالإيمان والكفر حالتان تعتوران هذا المخلوق كالإنسان.


(١) الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أعانه على شيطانه فأسلم، فلا يأمره إلا بالخير، رواه مسلم في صحيحه: ٤/٢١٦٨. ورقمه: ٢٨١٤.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية: ص٤٣٩.
(٣) شرح النووي على مسلم: ١٧/١٥٨.

<<  <   >  >>