لأنه علم طريق السلوك، وذلك علم آلة السلوك وإصلاح منازله ودفع مُفسداته كما يظهر، والعلم الأعلى الأشرفُ عِلمُ معرفة الله تعالى، فإن سائر العلوم تُرادُ له ومن أجله وهو لا يُراد لغيره، وطريق التدريج فيه التَّرَقِّي من الأفعال إلى الصفات، ثم من الصفات إلى الذات، فهي ثلاث طبقات:
أعلاها علم الذَّات، ولا يحتملها أكثر الأفهام، ولذلك قيل لهم "تفكَّروا في خَلق الله ولا تفكَّروا في ذات الله". وإلى هذا التدريج يشير تَدَرُّج رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ملاحظته ونَظَرِهِ حيث قال:"أعوذُ بِعَفْوِكَ من عقابك" فهذه ملاحظة الفعل ثم قال وأعوذ برضاك من سخطك وهذه ملاحظة الصفات؛ ثم قال:"وأعوذُ بك منك" وهذه ملاحظة الذات؛ لم يزل يترقَّى إلى القُرب درجةً درجة، ثم عند النهاية اعترف بالعجز فقال:"لا أُحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنَيْتَ على نفسك" فهذا أشرف العلوم.