وكذلك لا يعرف كمالَ معنى قوله تعالى {سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} مَنْ لم يعلم التَّسْوِيَة والنَّفْخَ والرُّوح، وَوراءَها علومٌ غامضة يغفل عن طلبها أكثرُ الخلق، وربما لا يفهمونها إن سمعوها من العالِمِ بِها، ولو ذهبتُ أُفَصِّل ما تدل عليه آيات القرآن من تفاصيل الأفعال لَطال، ولا تمكن الإشارة إلا إلى مَجامِعها، وقد أشرنا إليه حيث ذكرنا أن من جملة معرفة الله تعالى معرفة أفعاله، فتلك الجملة تشتمل على هذه التفاصيل، وكذلك كل قسم أجملناه لو شُعِّبَ لانشَعَبَ إلى تفاصيلَ كثيرة، فتفكَّر في القرآن والتمس غرائِبَه، لِتصادف فيه مَجامِع علم الأَوَّلين والآخِرين، وجملةَ أوائله، وإنما التفكر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله وهو البحر الذي لا شاطىءَ له.