الطريق إلى الله ضرورياً في حق الانس، إِذْ كما يستحيل الوصول إلى اللُبِّ إلا من طريق القِشر فيستحيل التَرَقِّي إلى عالم الأرواح إلا بمثال عالَمِ الأجسام، ولا تُعَرف هذه الموازنة إلا بمثال، فانظروا إلى ما ينكشف للنائم في نَومه من الرؤيا الصحيحة التي هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وكيف ينكشف بأمثلة خيالية، فمن يُعلِّم الحكمة غيرَ أهلِها يرى في المنام أنه يُعلق الدُرَّ على الخنازير. ورأى بعضهم: أنه كان في يده خاتم يختم به فروجَ النساء وأفواهَ الرجال، فقال له ابنُ سيرين: أنت رجل تؤذن في رمضان قبل الصبح، فقال: نعم. ورأى آخر: كأنه يَصُبُّ الزَيت في الزيتون، فقال له: إن كان تحتك جارية فهي أمك، قد سُبِيَت وبيعَت واشتريتَها أنتَ ولا تعرف، فكان كذلك.
فانْظُر خَتْمَ الأفَواه والفروج بالخاتم مُشَارِكاً للأَذان قبل الصبح في روح الخاتم وهو المنع وإن كان مخالفاً في صورته، وقس على ما ذكرته ما لم أذكره.
واعلم: أن القرآنَ والأخبارَ تشتمل على كثير من هذا الجنس، فانظر إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قلبُ المؤمن بين أُصْبُعَيْن من أَصَابع الرَّحْمن" فإن روح الأُصْبُع القدرةُ على سرعة التقليب، وإنما قلبُ المؤمن بين لَمَّةِ المَلَك وبين لَمَّةِ الشيطان، هذا يُغويه، وهذا يَهديه، والله تعالى بهما