والذكي يكفيه مثال واحد، والبليد لا يزيده التكثير إلا تَحَيُّراً، ومتى عرفتَ معنى الأصبع، أمكنك التَرَقِّي إلى القلم واليد واليمين والوجه والصورة، وأخذَتْ جميعُها معنى روحانياً لا جِسمانياً، فتعلمَ أن روحَ القلم وحقيقتَه التي لا بد من تحقيقها إذا ذكرتَ حدَّ القلم: هو الذي يُكتَبُ به، فإن كان في الوجود شيء يتَسَطَّر بواسطته نقشُ العلوم في ألواح القلوب، فأخْلِقْ به أن يكون هو القلم، فإن الله تعالى علَّمَ بالقلم، علَّمَ الإنسانَ ما لم يَعلم، وهذا القلم روحاني إذ وُجِدَ فيه روح القلم وحقيقته، ولم يُعْوِزْهُ إلا قالبه وصورته، وكَون القلم من خشب أو قَصَب ليس من حقيقة القلم، ولذلك لا يوجد في حَدِّه الحقيقي، ولكل شيء حَدٌّ وحقيقة هي روحُه، فإذا اهْتَديْتَ إلى الأَرواح صِرْتَ روحانياً، وفُتِحَت لك أبوابُ المَلَكُوت، وأُهِّلْتَ لمرافقة الملأ الأعلى، وحَسُنَ أولئك رفيقاً، ولا يُستبعَد أن يكون في القرآن إشارات من هذا الجنس، وإن كنتَ لا تقوى على احتمال ما يقرع سمعَك من هذا النَّمط، ما لم تَسنُد التفسير إلى الصحابة، فإن كان التقليدُ غالباً عليك، فانظُر إلى تفسير قولهِ تعالى كما قاله المُفَسِّرون:{أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ} الآية، وأَنه كيف مَثَّل العلمَ بالماء، والقلوبَ بالأودية، والينابيعَ والضَّلالَ بالزَّبد، ثم نبهك على آخِرها فقال:{كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال} ؛ ويكفيك هذا القدر من هذا الفن فلا تطيق أكثر منه.