في تجمُّل كبير، وتلقَّاهُ الناس، ونفذت كلمته، وعظمت حشمته حتى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء، وأعجب الخلقَ حسنُ كلامه، وكمالُ فضله، وفصاحةُ لسانه، ونُكَتُه الدقيقة، وإشاراته اللطيفة، وأحبوه. وأقام على تدريس العلم ونشره بالتعليم والفُتيا والتصنيف مُدةً. كان عظيم الجاه، عالي الرتبة، مسموع الكلمة، مشهور الاسم، تضرب به الأمثال، وتُشد إليه الرحال، حتى شَرُفَت نفسه عن كل جاه، وترك ذلك كله وراء ظهره ورحل إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فخرج إلى الحج في شهر ذي الحجة سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة (٤٨٨ هجرية) واستناب أخاه في التدريس ببغداد.
ودخل دمشق بعد عودته من الحج في سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة (٤٨٩ هجرية) ، فلبث فيها أياماً يسيرة، ثم توجه إلى بيت المقدس، فجاور ربه مدةً، ثم عاد إلى دمشق، واعتكف بالمنارة الغربية من الجامع، وبها كانت إقامته.
وقد صادف دخوله يوماً المدرسة الأمينة فوجد المدرس يقول: قال الغزالي وهو يدرس كلامه فخشي الغزالي على نفسه العجَبَ ففارق دمشق، وأخذ يجول في البلاد، فدخل مصر، وتوجه إلى الإسكندرية، فأقام بها مدة، وقيل إنه عزم على المضي إلى السلطان يوسف بن تاشفين سلطان المغرب لِما بلغه من عدله، فبلغه موته، واستمر يجول في البلدان حتى عاد إلى خراسان ودرَّس بالمدرسة النظامية بنيسابور مدة يسيرة، ثم رجع إلى طوس، واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن، ومجالسة أرباب القلوب، والتدريس لطلبة العلم، وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات، إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه. وكانت