فأما إيثار أرباب المجاهدة السكوت فلما علموا فِي الْكَلام من الآفات , ثُمَّ مَا فِيهِ من حفظ النفس وإظهار صفات المدح والميل عَلَى أَن يتميز بَيْنَ أشكاله بحسن النطق وغير هَذَا من آفات الخلق وَذَلِكَ نعت أرباب الرياضات وَهُوَ أحد أركانهم فِي حكم المنازلة وتهذيب الخلق وقيل: إِن دَاوُد الطائي لما أراد أَن يقعد فِي بيته اعتقد أَن يحضر مجالس أَبِي حَنِيفَة إذ كَانَ تلميذا لَهُ ويقعد بَيْنَ أضرابه من الْعُلَمَاء ولا يتكلم فِي مسألة فلما قوى نَفْسه عَلَى ممارسة هذه الخصلة سنة كاملة قعد فِي بيته عِنْدَ ذَلِكَ وآثر العزلة وَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إِذَا كتب كتابا فاستحسن لفظه مزق الكتاب وغيره.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن إِسْحَاق السراج قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن الفتح يَقُول: سمعت بشر بْن الْحَارِث يَقُول: إِذَا أعجبك الْكَلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم وَقَالَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ لا يصح لأحد الصمت حَتَّى يلزم نَفْسه الخلوة ولا تصح لَهُ التوبة حَتَّى يلزم نَفْسه الصمت وَقَالَ أَبُو بَكْر الفارسي من لَمْ يكن الصمت وطنه فَهُوَ فِي الفضول وإن كَانَ صامتا والصمت لَيْسَ بمخصوص عَلَى اللسان لكنه عَلَى القلب والجوارح كلها وَقَالَ بَعْضهم من لَمْ يستغنم السكوت فَإِذَا نطق نطق بلغو.