وهذا المشابهة لليهود والنصارى وللأعاجم من الروم والفرس؛ لما غلبت على ملوك الشرق هي وأمثالها مما خالفوا به هدي المسلمين، ودخلوا فيما كرهه الله ورسوله؛ سلط الله عليهم الترك الكافرين الموعود بقتالهم، حتى فعلوا في العباد والبلاد ما لم يجر في دولة الإسلام مثله، وذلك تصديق قوله -صلى الله عليه وسلم: "لتركبن سنن من كان قبلكم"؛ كما تقدم. وكان المسلمون على عهد نبيهم وبعده لا يعرفون وقت الحرب إلا السكينة وذكر الله سبحانه. قال قيس بن عباد -وهو من كبار التابعين: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند القتال وعند الجنائز. وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكينة في هذه المواطن مع امتلاء القلوب بذكر الله وإجلاله وإكرامه، كما أن حالهم في الصلاة كذلك، وكان رفع الصوت في هذه المواطن الثلاثة من عادة أهل الكتاب والأعاجم، ثم قد ابتلي بها كثير من هذه الأمة". قلت: ويشهد لما ذكره من كراهة صوت الجرس مطلقًا قوله عليه الصلاة والسلام: "الجرس مزمار الشيطان". أخرجه مسلم "٦/ ١٦٣"، وأبو داود "١/ ٤٠١"، والحاكم "١/ ٤٤٥"، والخطيب "١٣/ ٧٠"، والبيهقي "٥/ ٢٥٣"، وكذا أحمد "٢/ ٣٦٦ و٣٧٢". وفي حديث آخر: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس".