والتشبه يعم من فعل الشيء؛ لأجل أنهم فعلوه وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذًا عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضًا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبهًا نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى وإحفاء الشوارب، مع أن قوله -صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"؛ دليل على التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل. بل مجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية، وقد روى في هذا الحديث عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن التشبه بالأعاجم، وقال: "من تشبه بقوم فهو منهم". ذكره القاضي أبو يعلى؛ وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين". ثم ذكر بعض النقول في ذلك عن أحمد وغيره، فمنها: "قال محمد بن أبي حرب: سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكرهه للرجل والمرأة، وقال: إن كان للكنيف والوضوء "قلت: يعني: فلا بأس"، وأكره الصرار، وقال: هو من زي الأعاجم". ثم عقد شيخ الإسلام فصلًا خاصًّا في بيان إجماع المسلمين على ما أفادته الأحاديث والآيات المتقدمة من الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن التشبه بهم، وأورد فيه أقوال الصحابة في ذلك، وما ورد عن الأئمة الأربعة وغيرهم، وضمن ذلك فوائد عزيزة قلما يوفق لها غيره، فراجع "ص٥٨-٦٧"، وقد قال في خاتمته: "وبدون ما ذكرناه يعلم إجماع الأمة على كراهة التشبه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة، وإن كانوا قد يختلفون في بعض الفروع، إما لاعتقاد بعضهم أنه ليس من =