عما أفتيت به من الجواز. فتبين من ذلك أن من قال فِيَّ:"خالفت فتواه تقواه"؛ كان بعيدًا جدًّا عن الفهم السليم، أو العدل.
والآخر: أنني بجانب تقريري أن الوجه ليس بعورة، قد قررت أيضًا أن الستر هو الأفضل، ووردت فيه "ص١٠٤" على من زعم أن الستر بدعة وتنطع في الدين؛ بأحاديث وآثار أوردتها، ثم ختمتهما بما نصه "ص١١٤":
فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات، أمر مشروع محمود، وإن كان لا يجب ذلك عليها، بل من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج".
فهذا مني نص صريح في تفضيل الستر، ورد على الطائفتين المتشددتين: القائلين منهم بوجوبه، والقائلين منهم ببدعته، و"خير الأمور أوساطها"١.
وحقيقة الأمر عندي؛ أنه وإن كان قلبي ليكاد يتفطر أسى وحزنًا من السفور المزري، والتبرج المخزي، الذي تهافتت عليه النساء في هذا العصر، تهافت الفراش على النار، فإنني لا أرى أبدًا أن معالجة ذلك يكون بتحريم ما أباح الله لهن من الكشف عن الوجه، وأن نوجب عليهن ستره بدون أمر من الله ورسوله. بل إن حكمة التشريع، والتدرج فيه، وبعض أصوله التي
١ حديث ضعيف الإسناد، ولذلك لم أستجز عزوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، لا سيما وقد رواه أبو يعلى من قول وهب بن منبه بنحوه، وسند جيد.