وقد عرفت مما سبق ضعف الحديث الآخر، وأما الحديث الأول فهو من المقبول؛ لأن له شاهدًا موصولًا وهو حديث أسماء الآتي "ص٥٧"، وجرى عليه العمل كما يأتي بيانه في التعليق قريبًا. وحينئذ فلا وجه للتوفيق بينهما لما عرفت آنفًا. ثالثًا: إن التوفيق المذكور بين الحديثين غير مسلَّم عندي، بل هو لا يكاد يفهم ولو بصعوبة، إذ من أين جاء الأستاذ بقيد "عادة" في الحديث الأول، وقيد "حاجة أو عذر" في الحديث الثاني، وليت شعري إذا عرض للمرأة عذر في الكشف عن عضدها بل فخذها مثلًا، أفلا يجوز لها ذلك؟ الذي لا أشك فيه أن جواب الأستاذ على هذا السؤال إنما هو بالإيجاب، فإنه قد نص على معنى ذلك في كتابه "الحجاب" انظر "ص٣٩٩"، وحينئذ أليس هذا القيد الذي جاء به الأستاذ في صدد الرد على إنما هو تعطيل للاستثناء المنصوص عليه في الحديث، وما معنى الحديث حينئذ إذا كان المستثنى كله في حكم المستثنى منه بالقيد المذكور؟! إذا كان كذلك فهو دليل واضح على بطلان التوفيق المذكور، وأن الحديث مع ضعف سنده مخالف للحديث الأول المقبول، فكان منكرًا مردودًا. وإن مما يلفت النظر أن الأستاذ المودودي في تقييده للحديث الأول بذلك القيد "عادة" أفادنا أن الحديث يجيز للمرأة أن تكشف عن وجهها وأن تجعل ذلك من عادتها، بينما يرى في كتاب "الحجاب" أن الوجه عورة، بل يقول "ص٣٦٥-٣٦٦": "إن آية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} نزلت خاصة في ستر الوجه"! =