عندنا فيما قالوا: أن العلم لا يكون إلا بالتعلم وأخطأوا في اعتقادهم أن الله لا يعلم من ليس بنبي ولا رسول بقول الله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} وهي العلم، وجاء بمن وهي نكرة، ولكن علماء الرسوم لما آثروا الدنيا على الآخرة، وآثروا جانب الخلق على جانب الحق وتعودوا أخذ العلم من الكتب ومن أفواه الرجال الذين من جنسهم ورأوا- في زعمهم- أنهم من أهل الله بما علموا وامتازوا به على العامة، حجبهم ذلك عن أن يعلموا أن لله عبادا تولى الله تعليمهم في سرائرهم بما أنزله في كتبه وعلى السنة رسله وهو العلم الصحيح عن العالم المعلم الذي لا يشك مؤمن في كمال علمه ولا غير مؤمن، فان الذين قالوا: إن الله لا يعلم الجزئيات ما أرادوا نفي العلم عنه، وإنما قصدوا بذلك أنه تعالى لا يتجدد له علم بشيء بل علمها مندرجة في علمه بالكليات، فأثبتوا له العلم- سبحانه- مع كونهم غير مؤمنين، وقصدوا تنزيهه- سبحانه- في ذلك وإن أخطأوا في التعبير عن ذلك، فتولى الله بعنايتة لبعض عباده تعليمهم بنفسه بإلهامه وإفهامه إياهم {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} في أثر قوله {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} فبين لها الفجور من التقوى إلهاما من الله لها لتتجنب الفجور وتعمل بالتقوى.
وكما كان أصل تنزيل الكتاب من الله على أنبيائه، كان تنزيل الفهم على قلوب بعض المؤمنين به، فالأنبياء عليهم السلام ما قالت على الله ما لم يقل لها، ولا أخرجت ذلك من نفوسها ولا من أفكارها ولا تعلمت فيه، بل جاءت من عند الله، كما قال تعالى:{تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وقال فيه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} وإذا كان الأصل المتكلم فيه من عند الله لا من فكر الإنسان ورويته-وعلماء الرسوم يعلمون ذلك- فينبغي أن يكون أهل الله العاملون به أحق بشرحه وبيان ما أنزل الله فيه من علماء الرسوم، فيكون شرحه