للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لديه هو الذي ورثه عن بوند (الذي وصف نفسه ذات مرة بأنه آلة فيلولوجية بلغت حد الإرهاف) أعني الناقد الدارس. وعلى حسب مقاييس النقد المعاصر وبخاصة في أميركة يعد علم اليوت شيئاً متميزاً، وإن لم يكن له مثل إحاطة نقاد كجورج سينتسبري، هم علماء دارسون، في المقام الأول: فقد درس اليوت على بابت وسنتيانا في فارفارد، وأجيز في الفسلفة، وقرأ الأدب الفرنسي والفلسفة في السوربون، ودرس الفلسفة الإغريقية في اكسفورد، وقضى سنتين يدرس فقه اللغة السنسكريتية والهندية وسنة يدرس المتافيزيقيا الهندية. ومع أنه لا يحسن لغات بعدة ما يحسنه بوند، فإنه يقرأ في خمس لغات إلى جانب الإنجليزية وهي الإغريقية واللاتينية والإطيالية والفرنسية والسنسكريتية مع تفاوت في القراءة بين اليسر والعسر. وقراءته في هذه اللغات أوسع وأعمق حظاً من بوند، كما أن محصوله الفلسفي والعلمي يفوق محصول بوند دون ريب.

(٦) أما الذي يحدث للشاعر (من تمثله للماضي وتطوير وعيه به خلال الأيام) فهو إسلامه نفسه، على حاله هذه، لشيء أقيم وأكثر جدوى. ذلك أن تقدم الفنان إنما هو تضحية نفسية مستمرة، هو إفناء مستمر للذات.

وهذه أيضاً من الأفكار الكاشفة عند اليوت، وهي نظريته عن الطبيعة اللاشخصانية في الفن، فهو يقول في موضع آخر من هذا المقال: " ليس الشعر إطلاقاً لسراح العاطفة وإنما هو هرب من العاطفة وليس هو تعبيراً عن الذات بل هرب منها ". فيجهد الشاعر جهده " ليحول آلامه الذاتية الخاصة إلى شيء خصب غريب، شيء كوني عام لا ذاتي ". وكل جهد الروائي هو " عملية سكب الذات أو بمعنى أعمق سكب حياة الأديب في الشخصية التي يخلقها ". ومع أن لهذا الكلام حظاً من الصدق المجازي

<<  <  ج: ص:  >  >>