للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مقتفياً خطى فرويد) تجارب بدائية تنطبع في نسيج الدماغ على نحو ما، فإذن لابد من أن نؤمن بأن بعض الخصائص المكتسبة تورث، وأن نظرية فايسمان (١) العظيمة، عن استمرار البلازما الجرثومية لابد من أن تتحطم (لا تتخلق البلازما الجرثومية أبداً من البلازما الجسمية ومن ثم لا تستطيع أن تحدث ما لها من تغيرات تجريبية) . لقد كان فرويد على استعداد ليتقبل مسؤولية هذه الفكرة وحتى سنة ١٩٣٩ وفي كتابه " موسى والواحدانية " أكد إيمانه بوراثة الخصائص المكتسبة على الرغم من نظريات علم البيولوجيا المعاصر. وأما إن كانت هذه النماذج العليا، من الناحية الأخرى، تورث، كما يعتقد كثير من النفسيين المعاصرين، في البيئة الثقافية لا في العضوية الحسية، وأنها تستعاد في كل جيل خلال تجارب طفولية مشابهة، فإنها من م قد تتغير جذرياً بين مجتمع وآخر وبين جيل وجيل وطفل وطفل وتنتحل في كل مرة تجارب مغايرة جذرياً. (مثال ذلك أن مالينووسكي لم يجد عقدة أوديب في شكل أمومي بين سكان أرخبيل التروبرياند الأمويين) (٢) . وتحاول الآنسة بودكين في موقفها من هذه المشكلة أن تتركها محط أخذ ورد وتلمح إلى تحفظاتها هي نحو موقف يونج في الصفحات الأولى من كتابها، فتقول:


(١) فايسمان (١٨٣٤ - ١٩١٤) عالم بيولوجي أكد في سلسلة من المقالات والبحوث أن هناك فرقاً واضحاً بين الخلايا الجسدية وبين الخلايا الجرثومية، وهذه التفرقة هامة لأن معناها أن الخصائص الجسمانية للفرد لا تورث، إذ أن الخلايا الجرثومية فحسب هي التي تنتقل من جيل إلى جيل وتظل خالدة أما الخلايا الجسدية فإنها تموت، والنسل وليد الخلايا الجرثومية فحسب، فإذا قلنا إن بعض الخصائص المكتسبة تورث تحطمت هذه النظرية السديدة.
(٢) أرخبيل التروبرياند موطن الميلانيزيين، ويقع إلى الشمال الشرقي من غينيا الجديدة وهو مجموعة من الجزائر المرجانية المستوية. وقد استكشف مالينووسكي بين تلك القبائل ما يسميه " حب الأب "، وتوصل من هذا إلى أن عقدة أوديب إنما تنشأ في مجتمع عماده النظام " الأبوي " وإذن فأن عكس هذه العقدة قد يكون موجوداً في مجتمع " أمومي ". وإذا شاء القارئ مزيداً من الاطلاع فليراجع كتابه:Sex and Repression in Savage Socity.

<<  <  ج: ص:  >  >>