المفرد، وأنه في الحالة هذه يكون الكل أكبر من مجموع الأجزاء وأنه يتحكم في طبيعتها؟ إن هذا كله ليبدو مرتبطاً تماماً بمشكلات الأدب والفن. والحق أن مبدأ الجشطالت عن الكلي المتكامل إنما استوحي في نواته من الطبيعة الشكلية للفن حين تعرف فون اهرنفل Von Ehrenfel إلى أنه حين يغير مكان اللحن الموسيقي وتغير أيضاً النغمات التي يتألف منها ذلك اللحن فإن الصفة الجشطالتيه له Gestaltqualitat لا تتغير لأن العلاقات بين النغمات ظلت محفوظة. وربما كانت مشكلة الفنان في نقل الأنموذج الأساسي لتجربته خلال وسيط ليست له فيه تجربة وبخاصة إن كان وسيطاً يستغل معنى مغايراً (كمنظر طبيعي في قصيدة شعرية أو أغنية طير في تمثال منحوت وهكذا) ؟ أقول ربما كانت مشكلة الفنان في هذا هي بالدقة مسألة هذه الصفة الجشطالتية، وإنذ فهي مجال تستطيع فيه سيكولوجيا الجشطالت أن تكون مثمرة بخاصة. هذا وإن هيكلها النظري الذي ينص على مبادئ " الحقل " يستطيع أن يمد النماذج السلوكية للعقل اللاوعي، وهي ذات صبغة كلية أيضاً، وأن يدرك نظرياً أن العلاقات المتباينة في المجاز الشعري إدراكات " مثمرة " للشعر مثلها في ذلك مثل العلاقات الرياضية التقليدية في مجال العلم (١) . ولا ريب في أن الجشطالتيين
(١) قد يكون من المفيد هنا أن نضع تعليقاً موجزاً يوضح للقارئ في شيء من التبسيط نشأة مذهب الجشطالت وأسسه فنقول: هنالك سؤال خالد هو: ما هو الشيء الأساسي الأولي الهام في الطبيعة، وتتخذ الإجابة عليه أحد طريقين الأول: القول بأن الشيء الهام هو " العنصر " أو الجزء وهذا هو الاتجاه الجزئي أو " الذري " والثاني: أن الشيء الهام هو الكلي أو الأنموذج أو هو المركب في مقابل البسيط. وبين الجوابين انفصال حاد، فهما ضدان منطقيان يختلفان اختلاف الليل والنهار ويتباينان تباين الاشتراكية والفردية. أما أصحاب الجواب الأول فيبحثون عن كيفية التقارب التجاذب والترابط بين الأجزاء، وأما أصحاب الجواب الثاني فيبحثون عن التغير والسلوك والحركة في الكليات ولا يبحثون عن الترابط لاعتقادهم أنها نشأت مترابطة. وقد كانت السيكولوجيا في القرن التاسع عشر ميكانيكية ولكن حين استكشفت فكرة " الاستمرار " بدأ السيكولوجيون يتحولون إلى النظام الكلي أو العضواني Organismic ثم تلا ذلك استكشاف فكرة " الوحدة " وهذه أردفت باستكشاف اهرنفل لما سماه " الصفة الجشطالتية " فتحقق كثير من السيكولوجيين من أن العمليات السيكولوجية لا يمكن تفسيرها بتحويلها إلى عناصرها بل أن الحالة العقلية ذات خاصية ذاتية تسمى " Field Property " وكان أول من انفصل عن السيكولوجيا الميكانيكية في ألمانية فرتايمر وكوفكا ثم جاء روبن. فقلب الأفكار المتعارفة عن الإدراك والذاكرة، وكان لفن يعمل مع كوهلر في برلين؛ فطبق تقنيات الطوبولوجيا على مشكلات السلوك الموجه الغائي؛ ومن هنا نشأت السيكولوجيا الطوبولوجيه، والطوبولوجيا هي العلم الرياضي للعلاقات المسافية، فتطبيقها على النواحي النفسية معناه دراسة الظواهر النفسية وتفسيرها على أساس " إقليمي " في مسافة هذه الحياة.