يهوي فيها القائمون بالأبحاث في هذا المجال، أعني تلك التخمينات البليدة عن شخص شيكسبير نفسه، فهو يحتقب كل أوزار التطرف التي تحتقبها الآنسة سبيرجن، إذ يخبرنا أن أحب زهرة إلى شيكسبير هي البنفسجة، وطائره المفضل هو القبرة، وأنه كان يكره الكلب الصغير الطويل الشعر والأذنين، وأن هذه العبارة أو تلك " ذات نغمة ذاتية " فيما يبدو، أو أنها " صدرت من القلب " أو " أن شيكسبير نفسه هو الذي يتكلم هنا ".
إلا أن ذوقاً معتدلاً قاراً في الجبلة، يقي برادلي في أكثر الأحوال شر التفاهة ويسدد أحكامه. نعم إنه ليستطيع أن يركز جهده في الدقائق التافهة كأن يعد الأسطر في المشاهد المتوترة، والمواقف التي ينتقل فيها شيكسبير من النثر إلى الشعر، وعدد المبارزات، والمناسبات التي تضرب فيها الموسيقى العسركية في القسم الأول من " هنري السادس "، غير أنه مع هذا لا يوحل في حمأة هذه التوافه، بل يستغلها دائماً ليبلغ فكرة سديدة. وأكبر نقص لديه، ضآلة معرفته بالدراما الكلاسيكية والنقد الكلاسيكي، ولو كان محصوله من ذلك وفيراً، لأعانه في ميدان تخصصه. ومع أنه يقيم مقارنات متعددة بين شيكسبير والروائيين الإغريق ويتكئ على أرسطوطاليس بشدة إلا أنه في نصه وتوكيده أن " الشخصية " جوهر المسرحية، يبتعد عن أرسطوطاليس. ثم إن عدم فهمه أساساً لطبيعة الدراما الإغريقية، يؤدي به إلى أن يرى في ماكبث بطلاً لم تكتمل بطولته، كذلك وصفه لسياق المسرحية بأنه يجري في ثلاث مراحل " العرض والصراع والكارثة " يغفل فيه العنصر الجوهري في الدراما الإغريقية وكل دراما عظيمة بعدها أعني " القبول " النهائي (قارن بهذا مثلاً الحلقة المفرغة عند فرانسس فرغسون المكونة من " الغاية، والعاطفة، والإدراك ") .
ولم يلحظ أحد نواحي القصور والعيوب في الدراسة المتخصصة مثلما لحظها برادلي فهو يتحدث باحتقار عن نوع من الدارسين يضيء نفسه بالرد