الكتابة التي تستمد كيانها وتظل أبداً وتقف عند ذلك الحد يمكن أن تسمى تجربة في نطاق الواقع. اما الكتابة التي تخلق أي توجد شيئاً وراء الحد الذي بلغته الكتابة الأولى فقد تسمى رمزاً. هي رمز لا بنسبة ما قيل وما قرر، وإنما بنسبة ما لم يقل وما لم يمكن قوله، أو بنسبة ما وراء الحدود التي بلغتها الكتابة الأولى من كون ذي استقلال وكيان ذاتي. فالرمز هو أدق معنى ممكن. إذا نظرنا إلى العامل الذي حرك الكلمات وما أحدثته هذه الكلمات حينما تحركت. والرمز لا يرمز لشيء معروف من قبل ولكن لشيء يوجده الكشف ويكاد ينكشف. وإذا رمز الرمز إلى شيء سوى استمراره الذاتي فهو يرمز إلى ما في دخيلة القارئ لكي يمكنه من أن يميزه ويجلي به تجربته، مثلما أن المعنى الذي يشير إليه الرمز يجلي المسارب في إحساس القارئ بنفسه، في تلك اللحظة نفسها.
هذا هو إذن بلاكمور: يقدر الفن والخيال الرمزي تقديراً رفيعاً حتى يكاد يكون صوفياً في موقفه، وبوحي من مضمونات هذا الموقف نستطيع أن نلخص ما أداه بلاكمور في النقد وأن نقدره فنقول: إن نقده في إحدى ناحيتيه غال ثمين، تعاظمي، لا مساس له بالحياة، أي هو بعبارة أخرى:" نقد هواة " ومن السهل علينا أن نجد الشواهد على تهمة " الهواية " في هذا النقد. أما تعاظمه المتعالي فيتبدى لنا من قوله مثلاً: إن حضارتنا الشعبية قد نجحت في أن تنتج أدباً بلا مقاييس وأن أمريكة تعاني لأنه " ليس فيها طبقة مسيطرة في المجتمع تستطيع أن تضع للفهم الجمالي والتعبير عن الحياة الإنسانية قيمة رفيعة " وأن " سير الجماهير