عقده الثالث لم يسمع به أحد، كان حدثاً نقدياً كبيراً، برغم قلة النسخ التي طبعت منه. فقد تجرأ الكتاب على معالجة ما كان دائماً يعد نقيصة في الشعر، أي عدم الدقة في المعنى، وعده فضيلة الشعر الكبرى، وأعلن إن الغموض قد يقع في سبعة أصناف، ومضى يصنفها (مع إن عنوانه يشمل صنفاً ثامناً ساخراً، وطريقة تصنيفه توحي بأنواع أخرى لا حصر لها) . وأنكى من ذلك كله إنه درس الشعر بطريقة لم ينتهجها شخص من قبل. حقاً إن إمبسون حينما افترض إن الغموض هو لب الشعر لم يكن يقرر مبدأ جديداً. فمنذ القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد كتب ديمتريوس الذي لا نعرف عنه شيئاً يقول في كتابه " في الأسلوب " On Style: " مثلما تجمع الوحوش أطرافها حين تريد أن تنقض، فعلى اللغة كذلك أن تستجمع نفسها، كما لو كانت حضباً منطوياً، لتذخر في ذاتها قوة ". وليست هناك مسافة بعيدة بين " اللغة المستجمعة " في رأي ديمتريوس وبين قول إمبسون " أي ارتباط بين العلة والنتيجة، مهما يكن ضئيلاً، يضفي ظلاً على التعبير المباشر "، ويعود ما بين القولين من فرق إلى تصميم إمبسون على أن يستكشف أنواع هذا " الاستجماع " الملتف وضروبه، فهو يقول:
إذن فقد يكون للكلمة الواحدة عديد من المعاني المتمايزة، وعديد من المعاني المرتبط أحدهما بالآخر، وعديد من المعاني التي يحتاج واحدها إلى الآخر ليكمله، أو عديد من المعاني تتحد معاً حتى إن الكلمة تعني علاقة واحدة أو سياقاً واحداً؛ وهذا مساق يستمر مطرداً. " فالغموض " معناه إنك لا تحسم حسماً فيما تعنيه، أو تقصد إلى أن تعني أشياء عديدة، وفيه احتمال إنك تعني واحداً أو آخر من شيئين، أو تعني كليهما معاً وإن الحقيقة الواحدة ذات معاني عدة.