للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من دنيا أخرى غير هذه، فانه مصنوع من تجارب هي من نفس أنواع التجارب التي تتأدى إلينا بطرق أخرى. وكل قصيدة، على وجه التحديد، قطعة محدودة من التجربة، قطعة يدركها الوهن، بشدة أو بخفة، إذا تطفلت عليها عناصر غريبة، لأنها منظمة تنظيماً أعلى وأشد إرهافاً من التجارب العادية التي تتأدى إلينا من الشوارع أو البطاح، فهي تجربة هشة ناعمة ولكنها اكثر التجارب قبولا للنقل والإيصال.

وبهذين المصطلحين اعني " التجربة " و " النقل الإيصال "، تحول رتشاردز بالنقد الادبي، وبهما كتب تعريفه المشهور للقصيدة في كتابه، وهو التعريف الوحيد الذي يبقى متماسكاً إذا أنت سمته تطبيقاً، فيما أعلم (١) .

هذه هي الطريقة الوحيدة العملية، في الحقيقة، لتعريف قصيدة، وأن بدت غريبة معقدة: وذلك أن نقول أن القصيدة مجموعة من التجارب التي لا تختلف في أي من خصائصها إلا بمقدار معلوم، يتفاوت تبعاً لكل من هذه الخصائص، عن تجربة معينة نتخذها معياراً لسائر التجارب. وقد نجد هذا المعيار في تجربة الشاعر عندما يأخذ بتأمل ما أكمل خلقه وأبدعه.

وقد كرس رتشاردز كل إنتاجه للكشف عن كيفية توصيل هذه التجارب للقارئ، أي أنه على التحديد خصص جهده للكشف عما يحصل عليه القارئ، أي لتوضيح العلاقة بين الجمهور والقصيدة لا العلاقة بين الشاعر والقصيدة. وقد سمى هذا الميدان ذات يوم " تفسير الدلالات " وأخيراً سماه " ريطوريقا " واليوم عاد إلى تسميته " تفسيراً ". وكل


(١) انظر كتاب مبادئ النقد الأدبي: ٢٢٦ - ٢٢٧ ويقر رتشاردز هنا بأن هناك صعوبات أيضاً مثل ذلك أن لا يكون الشاعر نفسه راضياً عما أبدعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>