للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل هذه المعايير تشير نحو موضوعية علمية، ولكنها أيضاً تشير، بنفس القوة، إلى خصائص ذاتية خالصة، أي إلى تلك الثقة الذاتية الغريبة التي ندعوها " الذوق ". ولما شاء رتشاردز أن يجلو خصائصه الذاتية، كما يوضح طريقته الموضوعية، ارفق بكتابه ملحقاً درس فيه بإيجاز عدداً من قصائد اليوت. وهذا الملحق وان كان سطحياً، فأنه مع ذلك ثاقب دقيق مشمول بسعة الاطلاع (مثلا يستخرج فيه رتشاردز إشارات من قصيدة بيربانك وبلايشتاين أكثر مما استطاع النقاد أن يلحظوه فيها بعد عقدين من الزمان) . ومع ذلك فان في كتاب " مبادئ النقد الأدبي " عدداً من العيوب. فمن أقيم الأشياء في الكتاب - مثلا - تأكيده أن (الدوافع لا يمكن تلقيها إلا أن كانت تخدم حاجة عضوانية " (وهذا عندما يطبق على الأدب معناه أن الأديب لا يشير إلى شيء ولا يقتبس شيئاً إلا أن يكون ذلك معبراً عنه) . غير أن رتشاردز يتقدم لتحطيم مبدأه هذا بحماقة، مقرراً أن النقد القائم على التحليل النفسي لا يستطيع ان يدرك ميزة قصيدة " قبلاي خان " لأن " باعثها الحقيقي " هو " الفردوس المفقود " وقراءات أخرى ثقفها كولردج - وهذا مثال من فرض يتخذ برهاناً، وهو في حاجة إلى إثبات، غير أن مثله ليس كثيراً عند رتشاردز. وفي الوقت نفسه يسيء رتشاردز قراءة قصيدة أخرى لكوردج وهي " الملاح القديم " واجداً أن " خلقيتها " " أمر دخيل "، مع إنها لب شعائر التكفير في القصيدة (١) . وأخيراً فان اللوحة المدهشة التي تشير إلى الجهاز العصبي على الصفحة ١١٦ وتصور الطريق التي يمارس بها العقل الصور في بيت من الشعر تخلق آثاراً مضحكة مباينة تماماً لأهداف


(١) يشير هنا إلى الموضوع قصيدة " الملاح القديم " وكيف أن الربان قتل طائراً كان يتبع السفينة فهدأت الريح، وحل النحس، وكان " التكفير " فيها هو شعور الربان نفسه بشبح الذنب يلاحقه أنى اتجه، ثم موت البحارة واحداً بعد آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>