فإنه يستطيع أن يقيم التوازن بين الرمزي والخطابي والنحوي حين يعالج أي أثر فني.
ثم يغفل بيرك كيف يكون الأثر الفني مؤثراً في القارئ أو كيف يكون معبراً عن منشئه ويكتفي بالنظر إليه في ذاته، في ماهيته، في كيفية تكونه، أي يتجه إلى استغلال وسائل التحليل النحوي دون ما عداها. ومن أمثلة هذا النوع دراسة له عنوانها " في موسيقية الشعر " وفيها كشف حاذق للآثار الصوتية في الشعر، كشف لا يتنبه له الناس ولا يلحظونه ويتضمن أشياء مثل الإشباع والتصغير والتفريغ النوعي وما أشبه. وأكمل قطعة يوردها بيرك مثلا على تحليل كتاب مفرد هي القطعة التي حلل فيها كتابه " كفاحي " Mein Kampf لهتلر وبنى تحليله هذا على ثالوث: المخطط والحلم والصلاة، وقد أبان هنالك بمصطلح نحوي خالص إلى أي حد كان ذلك الكتاب يعكس وقائع الحال في ألمانية وفي الموقف الدولي، ووضع بمصطلح رمزي إلى أي حد كان هذا الكتاب هو قصيدة هتلر الشريرة الكبرى، ووضح بمصطلح بلاغي إلى أي مدى وبأي أسلوب خلب هذا الكتاب الشعب الألماني حتى إنه تحول بالعمل الرمزي الذي كان يخيل لهتلر إنه سيسيطر على العالم إلى شيء كاد أن يكون واقعياً. ويكشف بيرك عن العلاقات بين هذه المصطلحات وبين كيف إن العامل الرمزي عند هتلر - مثل اتخاذه اليهود كبش الفداء - دخل في صميم هذا الأثر ومن ثم أحدث عند القارئ عملاً رمزياً وإنه خلبه حتى استطاع أن " يتحول " به إلى هذا المعتقد. ويمضي بيرك الفاهم لطبيعة هتلر في هذا حتى يعود المشكلة من صعيدها الرمزي إلى صعيدها الواقعي.
وهذا الذي تقدم مثل من تطبيقه الذي يتمرس بأدب غير صالح، غير إن أكثر دراساته الأخرى تعالج أدباً خالصاً، وليست دراساته الأدبية هنا عارضة وإنما هي من صميم غاياته. فهو يحلل أدب كولردج