٢ - قد يتوهم من يسمع عنوان " نزعات نحو التاريخ "(٩٣٧) أن موضوعه الأساسي هو التاريخ، ولكن الأمر ليس كذلك، بل الأدب هو محور ما فيه، إذ هو دراسة للنزعات الأدبية من حيث هي عمل رمزي أو شعائري. أما كلمة " التاريخ " في العنوان فلا تشير إلا إلى موضع الأدب في المجتمع ولا تدل إلا على تداخل العلاقات في نزعات الأدب نحو " تحول التاريخ " والسياسية والاقتصاد. وتنقسم تلك النزعات في فئتين: نزعات القبول ونزعات الرفض، ومنها ينبثق شيء ثالث يجمع بين خير ما في كليهما، وهذا ما يسميه بيرك:" الهزلي) ، فأما فئة القبول فإنها " سنية المنزع " وتضم كل الفلسفات التي على شاكلة فلسفة وليم جيمس ووتمان وامرسون، والأشكال الأدبية مثل الملحمة والمأساة والمهزلة والشعر الغنائي والأشكال الشعائرية التي يرتكز حول مبدأ " الخوف من الزنا بالمحرمات " والخصاء الرمزي. وأما فئة الرفض فإنها " إلحادية المنزع " وتضم فلسفات مثل فلسفة ميكافللي وماركس ونيتشه، والأشكال الأدبية مثل المرثية والنقد التهكمي والمحاكاة الساخرة والتهجين الساخر والأشكال الشعائرية التي ترتكز حول عقدة " الثورة على الأب ". وأما الفئة التي هي بين بين - أي فئة " الهزلي " فإنها تتضمن تشابك العواطف المتناقضة المتصارعة، وهذه لا تكون خالصة للفئة الأولى ولا تكون خالصة للفئة الثانية. يقول بيرك:
" إن الشكل " الهزلي " ليتجنب كل هذه الصعوبات ويرينا كيف ان كل عمل تزدوج فيه المادة والتجريدية والخيال والمحسوسات المجسدة والتضحية والأثرة، وهو أيضاً يهف إحساسنا حي يصبح بعض هذه العناصر متمدداً متضخماً على حساب بعضها الآخر الذي يذهب منكمشاً متقلصاً. ولا ريب في انه حين يتوازن اثر البيئة يتوازن جانباً هذه العناصر المتضاربة ".