للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

" كأنما نحن نبيح الناس أن يسلطوا العيون على المكنونات ليثيروها من مكامنها؟ ونحن نؤمن أن آثار كل امرئ يمكن جلاء مخبآتها أن اشتملت إخلاصاً في التنظيم؟ بل أنا لنرضى ان نكشف عن ما فيها إذا تقدم إلينا صاحبها وقال لنا أتحداكم لأن كتاباتي ليست غلا محض هراء ببغاوي. وأقول: ان كل شخص يستطيع أن ينتحل الزيف والدعوى في الظاهر. أما في أعماق صدره فليس ثمة مسرب للكذب لأن الفيلسوف أو الأديب الغارق في حومة الموضوع لابد له من تنظيم تعبيره عنه، ولا بد لتعبيره ذاك من أن يحتقب هذه العمليات النفسية، ذلك حتم لا مفر منه إلا أن كان للأديب جسم من نوع آخر يخالف أجسام الناس الآخرين فان شاء فيلسوف أو ناقد مستنير أن يتحدانا وزعم ان ما ينشئه لا يتموج من تحته تيار، قلنا له رضينا ان ندلك عليه وأخذنا في تتبع المعالم والدلالات ".

وما أظن أحداً تحدى بيرك في هذه الناحية ولذلك فنحن قد خسرنا البرهان الذي يقنع المتشكك، وحصلنا على البرهان السلبي الذي يقدمه إحجام المحجمين عن التحدي.

٣

- في أساليب بيرك إثارة وطرافة ولكن لا يحسبن أحد أن دراسة الأدب من طريق العمل الرمزي حديثة خالصة، فهي ذات أصول قديمة. فمثلا موقف أفلاطون من الشعر وانه يحدث أثراً سيئاً في الجمهور، يعتمد في معظمه على العمل الرمزي في ذلك الجمهور. ويقول أفلاطون في الجمهورية على لسان سقراط: " في المصائب نشعر بجوع طبيعي ونرغب في أن نتخلص من أحزاننا بالبكاء والنواح، وهذا الشعور الذي قد نضبطه عند المصائب يغذيه الشعراء ويثيرونه ". أما أرسطوطاليس فانه مفترع هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>