للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٣ - الاتجاه الزهدي:

عرف الأندلسي الاتجاه الزهدي في العصر السابق على يد ابن أبي زمنين، وكان حينئذ يلتبس كثيرا بالشعر التعليمي أو يصدر عن دواعي الشيخوخة وما تحدثه من خوف الموت وما بعده. أما في هذا العصر فكانت بواعثه مختلفة بعض الاختلاف، فقد شحذته فوضى الحياة السياسية، وزادت في حب الخلاص لدى الفرد من غوائل الحياة، وشجعته على طلب النجاة لنفسه حين كان يرى الأوضاع الاجتماعية تزداد سوءا، واصبح الزهد لدى بعض أصحابه مذهبا أدبيا أخلاقيا معا، كما كان عند أبي العتاهية في المشرق، وانتحاه بعضهم لشعره بالنقمة على حظه من الدنيا وثورته على الناس من حوله. ويعد السميسر، الذي ورد ذكره آنفا، من هذا الصنف الأخير، فقد كان منحرفا في ميوله هجاء للناس؛ وهو إلى ذلك " صاحب مزدوج كأنه حذا فيه حذو منصور الفقيه " (١) ولم يكن امرءا عاملا بمبادئه الزهدية، ومن أمثلة شعره في هذا الاتجاه قوله (٢) :

جملة الدنيا ذهاب ... مثلما قالوا سراب

والذي فيها مشيد ... فخراب ويباب

وأرى الدهر بخيلا ... أبدا فيه اضطراب

سالب ما هو معط ... فالذي يعطي عذاب


(١) الذخيرة ١⁄٢: ٣٧٢.
(٢) المصدر نفسه: ٣٧٧.

<<  <   >  >>